سليمان جودة
لا ينطبق بيت من الشعر على توماس براك، السفير الأمريكي في تركيا، ومبعوث الرئيس ترامب إلى سوريا ولبنان، إلا بيت الشعر الشهير لأمير الشعراء أحمد شوقي عن قيس ليلى.
امضِ قيسُ امضِ.. جئت تطلب ناراً
أم تُرى جئت تشعل البيت ناراً
والبيت له حكاية في مسرحية شوقي الشعرية المعروفة، وهي حكاية تتعلق بقصة الحب الشهيرة بين ليلى العامرية وبين قيس.
كانت البداية في العاصمة اللبنانية، عندما خرج من لقاء مع الرئيس اللبناني، جوزيف عون، ليعقد مؤتمراً صحافياً مع مراسلي الصحافة في قصر بعبدا، فخاطب الحاضرين أمامه بلغة ومفردات أغضبت الصحافيين، وأثارت حفيظتهم، وأثارت عليه الإعلام في لبنان وخارج لبنان، ووجد نفسه مضطراً في النهاية إلى الاعتذار عما بدر منه، ولم يكن بالطبع يليق أن يخاطب أهل الإعلام في القصر الجمهوري، بمثل ما خاطبهم به من ألفاظ.
هل يعود ذلك إلى أن الرجل ليس دبلوماسياً محترفاً؟.. ربما.. فهو قادم إلى السفارة في أنقرة، وإلى مهمته الدبلوماسية في بيروت ودمشق من خارج الوسط الدبلوماسي تماماً، ولم يسبق له أن عمل في أي سفارة، والقصة كلها أنه أحد المطورين العقاريين القريبين من ترامب، كما أنه واحد من أصدقاء الرئيس الأمريكي الذين يشاركونه لعبة الغولف.. ولو كان دبلوماسياً محترفاً، ما كان قد وقع في هذه المشكلة مع الإعلام، ولكان قد قال ما يريد أن يقوله للصحافة في لبنان، بغير أن يجرح أحداً، وبغير أن يثير الدنيا عليه، كما أثارها، ولم يجد بداً في آخر المطاف من الاعتذار.
اللافت في الأمر، أن أصداء الأزمة في لبنان ما كادت تهدأ، حتى كانت سوريا وتركيا معاً على موعد مع أزمة جديدة، أثارها المبعوث براك أيضاً، وكان ذلك عندما أطلق تصريحاً صحافياً، قلل فيه من احتمالات قيام حكومة مركزية في دمشق!
هذا بالتأكيد كلام خطير، ولا يجوز أن يخرج عن رجل جاء مبعوثاً إلى سوريا، والتقى الرئيس، أحمد الشرع، فيها مرات ومرات.. ذلك أن سوريا إذا كانت في حاجة إلى شيء في ظروفها الحالية، ومنذ سقوط نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر الماضي، فهذا الشيء هو أن تتماسك وتستجمع مكوناتها وأركانها، وتقوم فيها حكومة مركزية قوية، وقادرة على أن تضبط الأمن في البلاد، وأن تجعل الحدود السورية آمنة مع كل الدول الجارة في الجهات الأربع.
إن هذا ما نسمعه من حكومة الرئيس الشرع، منذ جاءت إلى مقاعدها، وهذا ما يجب أن يحظى بالمساعدة والعون والمساندة من شتى دول الإقليم، لأن هذا الإقليم ذاته لا يحتمل ولا يطيق سوريا غير آمنة أو غير مستقرة.
لا بد أن المبعوث توماس براك في حاجة إلى أن يأخذ الدرس من الحكاية القديمة للعاشق قيس، أو بالأحرى، من والد ليلى العامرية، الذي دعا قيساً إلى أن يطلب ناراً تضيء طريقه أمامه، لا ناراً يشعل بها بيت ليلى!
ولا بد أيضاً أن اعتذار المبعوث في واقعة قصر بعبدا، تدل على أنه يؤمن بالعبارة التي تقول: الرجوع للحق خير من التمادي في الباطل، ولا نعرف ما إذا كان سيعتذر في موضوع الحكومة المركزية أم لا؟، ولكنه في كل الأحوال مدعو إلى أن ينتبه إلى أن في إمكان الدبلوماسي أن يقول: نعم، وهو يقصد أن يقول: لا، أو العكس.. والمعنى أن في مقدوره أن يعبر عما يشاء، ولكن في لغة لا تصدم ولا تصد، ولا تثير الأزمات والمشكلات.