: آخر تحديث

ليست مشاجرة أطفال!

2
2
2

عماد الدين حسين

هل صحيح أن الحرب الروسية الأوكرانية مشاجرة أطفال، أم أنها تعكس جانباً مهماً من الصراع على المصالح والقومية والنفوذ العالمي، ما بين روسيا والغرب بأكمله؟، واحدة من صفات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، هي تسطيح وتبسيط أي قضية مهما كانت مهمة وخطيرة.

في ظني وظن كثيرين أن هذه الحرب فصل مهم في صراعات القوى الكبرى على النفوذ والمصالح والرغبة في السيطرة والهيمنة. وبالتالي فإنه يستحيل أن تكون مجرد شجار بين أطفال كما قال ترامب.

الإجابة هي لا، فروسيا وكما تؤكد دائماً فإنها كانت تسعى لتحقيق أهداف جوهرية أولها منع انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، حتى لا تجد روسيا قوات هذا الحلف ترابط على حدودها، وبالتالي تتحول أوكرانيا إلى مركز تهديد لأمنها القومي، وثانياً حماية الأقليات الناطقة بالروسية خصوصاً في إقليمي دونتسيك ولوغانسك وقد سيطرت روسيا على أغلب أراضي هذين الإقليميين، وأعلنت ضمها إلى أراضيها، بعد شهور من بدء العملية العسكرية.

حجة روسيا أن الغرب خصوصاً أمريكا خانوا الوعود التي تم تقديمها لموسكو عقب تفكيك الاتحاد السوفيتي في عام 1991، بأن حلف الناتو لن يتمدد شبراً في دول أوروبا الشرقية التي كان معظمها أعضاء في حلف وارسو العسكري المناوئ لحلف الناتو. ونعلم يقيناً أن الناتو تمدد في معظم دول أوروبا الشرقية، بل وصل إلى دول البلطيق المجاورة لروسيا.

من يتذكر الأيام والأسابيع التي سبقت اندلاع الحرب سيعتقد أن أمريكا في عهد الرئيس، جو بايدن، ربما تكون قد ساعدت في تهيئة الأجواء في توريط روسيا في «المستنقع الأوكراني»، في ذلك الوقت كانت التسريبات الأمريكية تتوالى بأن روسيا ستدخل أوكرانيا، ومن وجهة أخرى تستفز موسكو بأنها لن تكون قادرة على ذلك.

الواقع يقول إن الكاسب الأكبر حتى الآن من هذه الأزمة هي أمريكا، والخاسر الأكبر هي أوكرانيا التي ينطبق عليها المثل القائل: «حينما تتقاتل الأفيال فإن العشب يكون هو الضحية»!!.

قبل الحرب كانت القارة العجوز تتمتع بحماية أمريكية بصورة شبه مجانية، وكانت تحصل على معظم احتياجاتها من الغاز والنفط من روسيا وبأسعار منخفضة، ومع بداية الحرب تم قطع الغاز الروسي، ما اضطر أوروبا إلى استيراد معظم احتياجاتها من الغاز من أمريكا عبر شحنات الغاز المسال وبأسعار أكثر من ضعفي الغاز الروسي.

وحينما وصل ترامب للبيت الأبيض للمرة الثانية أجبر أوكرانيا على سداد كل ما حصلت عليه من مساعدات أمريكية سواء كانت اقتصادية أو عسكرية، عبر رهن المعادن الأوكرانية النادرة لسنوات طويلة، كما أجبر ترامب أوروبا على سداد قيمة أي مساعدات عسكرية أمريكية لأوكرانيا في المستقبل.

وبهذه الصيغة فإن الولايات المتحدة ضمنت تحقيق العديد من الأهداف الاستراتيجية وهي إضعاف أوروبا حتى لا تستقل بعيداً عن حمايتها العسكرية ضد روسيا لأنها ستسدد المقابل نقداً، إضافة إلى أن هذا الإنفاق الدفاعي سيؤثر على الاقتصاد الأوروبي بصفة عامة، ما يجعله تابعاً بصورة دائمة للولايات المتحدة.

ترامب وعد الأمريكيين والعالم في حملته الانتخابية بأنه سيوقف هذه الحرب وكل حروب العالم ظناً أنه ولمجرد أن يتهاتف مع فلاديمير بوتين، أو يجلس مع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلنسكي، ستتوقف الحرب، ولأن ذلك لم يحدث فقد أصيب ترامب بالإحباط.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد