نايجل فاراج، المتقدم في استطلاعات الرأي عن كل زعماء بريطانيا قدم موعد خطابه في اليوم الأول لمؤتمر حزبه «الإصلاح»، الجمعة من الرابعة إلى الواحدة ظهراً... السبب؟
اختطاف انتباه الإعلام من حدث كبير في وستمنستر، واستغلال أكبر متاعب تواجه كير ستارمر منذ توليه الحكومة العام الماضي، ليخبر الناخب بأن حزبه اسم على مسمى لإصلاح الحياة السياسية. فقبلها بنصف ساعة، استقالت أنغلا راينر، من منصبيها، كوزيرة للإسكان، ونائبة لرئيس الحكومة. اغتباط فاراج وتيارات اليمين، ليس فقط لأن راينر اضطرت للاستقالة، الجمعة، بعد أن قدم السير لوري مغناس، مستشار معيار الانضباط والأداء الوزاري تقريره بخرقها السلوك المتوقع من الوزراء، بل لأن منصب نائب زعيم حزب «العمال» يتم بتصويت قواعد الحزب، وبالتالي سيسبب مزيداً من الانقسام في صفوف العمال، انقسام سيعمقه التشكيل الوزاري الجديد الذي اضطر إليه ستارمر بسبب الاستقالة. فالتراجع من مقعد الوزير إلى مقعد برلماني خلفي، يحول صاحبه إلى شوكة، في ظهر رئيس الوزراء. منهم مثلاً لوسي باول، التي أجبرها ستارمر، الجمعة، على الاستقالة من منصبها كرئيسة المجلس الاستشاري للملك وزعيم مجلس العموم (رئيس الأغلبية) التي تخطط مع رئيس البرلمان أجندة العمل اليومي والمستقبلي، وأيضاً احتكاكها اليومي بالنواب هو بارومتر لقياس المزاج العام للحزب. والمنصب الذي يعتبر من أقوى حقائب مجلس الوزراء، تركته مستاءة مثلما يقرأ بين سطور خطاب استقالتها، ومثلما قال العديد من نائبات يسار الحزب للصحافيين.
استقالة راينر بينت قوة وأهمية الصحافة الحرة (خاصة المجموعة البرلمانية) كسلطة رابعة وسند للديمقراطية مع ضعف المعارضة الحالية التي ظهرت في إخفاق زعيمة المحافظين، كيمي بيدنوك الأربعاء أثناء مواجهتها البرلمانية مع ستارمر في توظيف ما كشفه الصحافيون عن ازدواجية معايير وزيرة الإسكان، لإدانة الحكومة وممارسات الوزيرة. فالسيدة راينر لم تنتهك قوانين، أو تمارس ممنوعات، لكن الصحافة، وليست أجهزة الدولة، من أجبرتها على المثول أمام محكمة الرأي العام، لتحاكمها بمعايير الوزيرة نفسها وحكومة العمال في مجال الإسكان. راينر، عندما كانت في المعارضة، هاجمت الوزراء المحافظين لاستغلال بعضهم ثغرات في اللوائح الضريبية وطالبتهم بالاستقالة، ووصفت المحافظين في مؤتمر عام بـ«الحثالة»؛ لكنها كوزيرة إسكان مارست ما تعمل على منعه. وهي من يسار الحزب وقريبة من الاتحادات العمالية التي تسعى إلى تضييق فرص تملك مساكن إضافية للاستجمام مما يزيد أزمة الإسكان، خاصة في الريف وقرى الشواطئ؛ ولذلك تفرض مصلحة الضرائب رسوم تمغة شراء عقار تصاعدية تتضاعف إذا كان العقار مسكناً إضافياً، وأكثر إذا كان العقار للاستثمار. الوزيرة المستقيلة اشترت شقة فاخرة تطل على البحر في مصيف «هوف» المجاور لبرايتون الساحلية، وبدلاً من دفع 70 ألف جنيه تمغة شراء «مسكن إضافي»، فإنها دفعت فقط 30 ألف جنيه بتسجيل الشقة «كمسكنها الرسمي»، رغم أنها تبعد أكثر من 250 ميلاً عن دائرتها الانتخابية «أشتون – أندرلين» في مقاطعة يوركشاير، أما مسكنها في لندن فشقة مجانية في مبنى الأدميرالية في وايتهول، على مسافة سبع دقائق على الأقدام من البرلمان، وثلاث دقائق من داوننغ ستريت. راينر ادعت أنها حصلت على استشارة قانونية بشأن الرسوم المطلوبة. مكتب المحاماة الذي تولى مهمة شراء الشقة ناقض رواياتها في تصريح للصحافة مساء الخميس، مما أسقط ورقة التوت الأخيرة. وبجانب اضطرار راينر الآن إلى دفع 40 ألف جنيه فارق الرسوم لمصلحة الضرائب، فإنها ستدفع 12 ألف جنيه إضافية، مجموع فوائد ثمانية أشهر وكغرامة التهرب من الرسوم.
تأخر ستارمر عن إقالتها ثلاثة أيام كرس صورته كزعيم عاجز عن اتخاذ قرار حاسم سريع؛ كما اضطر إلى إجراء تعديل وزاري لم يكن خطط له، بل دفعته إليه أحداث كان يمكن تجنبها لو أقالها في منتصف الأسبوع. عين ستارمر ستيفن ريد، وزير البيئة والزراعة كوزير للإسكان، ونقل وزيرة الداخلية إيفيت كووبر لتولي الخارجية بدلاً من دافيد لامي الذي أصبح نائباً لرئيس الحكومة ووزيراً للعدل، بدلاً من شبانا محمود التي تولت الداخلية بتحديات التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين بالقوارب عبر بحر المانش. ورغم الخطوة التاريخية، إذ لأول مرة تتولى نساء أهم وأقوى ثلاث وزارات في وقت واحد: المالية والخارجية والداخلية، فلا تزال الصحافة تسخر من ستارمر بلقب مستر «فليب-فلوب» (المتقلب على الوجهين)، والتعبير أيضاً هو الاسم الشعبي لـ«شبشب» (خف) مطاطي نسائي على الشواطئ!