عثمان بن حمد أباالخيل
مهنة الطب ليست مجرد مهنة، بل رسالة سامية، إنسانية تجسد أسمى معاني الإنسانية.
مهنة الطب من المهن الإنسانية الصعبة والمعقدة؛ حيث إنها تلتصق بعقول وقلوب الناس، الطبيب لا يعالج أجسادًا فقط، بل يلمس القلوب ويبعث الأمل في النفوس ويمسح الدموع ويفتح أبواب السعادة حين يبعث الأمل بالشفاء.
إن جوهر الأمل هو الإيمان برحمة الله، وأن مراعاة أخلاق المهنة ستخلق سمعة طيبة للطبيب الذي تجعل أفراد المجتمع يثقون في به ويتجهون إليه ويطلبونه بالاسم لما يحمله من معاني الإنسانية، وليس معاني الصفة التجارية.
الطبيب الإنسان هو الذي يمد يد الخير للآخرين، طالما هو يملك القدرة على ذلك، ويتقاضى الأجر المناسب المعقول. البعض من أبناء المجتمع لم يعودوا يثقون بما يقول الأطباء نتيجة لطغيان الصفة التجارية على هذه المهنة، وبدأوا يتشككون فيما يقول بعض الأطباء وهم قلّة نتيجة التحول الدراماتيكي لهذه المهنة من مهن إنسانية الى مهن تجارية.
يتساءل البعض: هل الطب مهنة تجارية أو إنسانية، هل يمارس الطبيب الطب كعمل إنساني أم فقط لكسب المال؟ وتكمن القضية في أن الطب مهنة إنسانية، ولكن في نفس الوقت مهنة مربحة مادياً، ويمكن أن تتحول لتجارة بسهولة، وهنا يكون الطبيب في مفترق طرق.
الطب مهنة إنسانية وفي نفس الوقت مهنة مالية، ولكن بحدود المعقول، المعقول يحدد من قبل الجهات ذات العلاقة ولا تترك للطبيب.
الطبيب لا يطيل عمراً ولا يقصره والأعمار بيد الله، والطبيب يبذل كل جهده لإنقاذ المريض، الطبيب هو إنسان بشري له مشاكله وله عالمه الخاص ويؤثر ويتأثر بكل ما يحيط به، شخصيا تعلمت المزيد من معاني الإنسانية عند طبيب في لطفه وتعامله وتجاوبه.
يقول الرازي: (ينبغي على الطبيب أن يُوهِم المريض أبدًا بالصحةَ ويُرجِّيه بها، وإن كان غير واثِق بذلك؛ فإن مِزاج الجسم تابِعٌ لأخلاق النفس).
ما هي الطريقة الإنسانية التي يخبر بها الطبيب مريضه بوضعه الصحي، خصوصا عندما يكتشف الطبيب مرضا مستعصيا، كالسرطان. البعض يطالب الأطباء بعدم إخبار المريض بخطورة مرضه، وأن معرفته قد تسبب تدهوراً لحالته الصحية والنفسية؟ هل هذا صحيح ومن أساسيات مهنة الطب، البعض الآخر ينادي أن يُناقش الطبيب مع أهل المريض ويُخبرهم.
كيفية مصارحة المريض بالمرض الذي يعاني منه خاصة في بعض الأمراض المستعصية، هل الطبيب مطالب بأن يكون أكثر شفقة من غيره لمريض قد لا يعيش طويلا في هذه الحياة؟ الجواب، نعم هي مهنة إنسانية.
هل يجب قول الحقيقة للمصاب بمرض مستعص؟ نعم، ولكن بطريقة إنسانية. تؤكِّد التعاليم الإسلامية على التلطُّف بالمريض، والرِّفق به في التعريف بمرضه؛ مراعاةً لحالته النفسية والثقافية، يقول -صلى الله عليه وسلم-: ((أمرنا أن نكلِّم الناس على قدْر عقولهم)) رواه الديلمي عن ابن عباس.
رسالتي لوزارة الصحة أتمنى أن توجه تعليماتها لكل منشأة طبية في القطاع العام أو الخاص على كل جهة أن تُوجِد لجنة أسميها (لجنة التلطّف)، مكونة من رجل دين، طبيب نفسي، طبيب معالج تجتمع مع أهل المريض، وبحضور المريض بإخبارهم بالمرض بلطف وتودد، والتوكل على الله.
(أَلَمٌ أَلَمَّ أَلَمْ أُلِمَّ بِدَائِهِ... إِنْ أنَّ آنٌّ آنَ آنُ أَوَانِهِ) للشاعر العباسي.. أبي الطيب المتنبي.