باريس: تكشف الحرب بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية وردود الفعل التي تثيرها، عن عالم أكثر تشرذماً حيث أصبح صوت الدول الغربية أقلية، وهو الاتجاه الذي برز منذ بدء الصراع في أوكرانيا.
منذ يوم السبت، أدانت الدول الغربية بأشدّ العبارات الهجمات التي شنّتها حماس على إسرائيل، مشدّدة على أن "لا شيء يبرّر الإرهاب".
ومع أنّ دولاً غير غربية مثل الأرجنتين والهند، تضامنت مع إسرائيل، اكتفى عدد من الدول الأخرى بالدعوة إلى وقف التصعيد، مثل المملكة العربية السعودية والصين ومصر والمغرب وروسيا وتركيا.
من جهتها، أعربت الجزائر وإيران والسودان وتونس علناً عن دعمها لحركة حماس، التي تسيطر على قطاع غزة.
والجمعة، شهدت الكثير من المدن العربية تظاهرات دعماً للفلسطينيين، شارك فيها آلاف الأشخاص، خصوصاً في الأردن والبحرين.
وبعد مرور أكثر من عام ونصف العام على الغزو الروسي لأوكرانيا، لا تزال بعض دول الجنوب ترفض الانصياع للتوصيات الغربية بدعم أوكرانيا.
ويشير حسني عبيدي مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والبحر الأبيض المتوسط ومقرّه جنيف، إلى أنّ "المسألتين تتقاطعان في سرديات دول الجنوب"، مضيفاً أنّ الحرب في إسرائيل "تزيد من حدة الانقسام الذي كان واضحاً بالنسبة للمسألة الأوكرانية".
ويلفت إلى أنّ هذا الصراع "يُظهر مدى هذا الانقسام في غالبية دول الجنوب، وخصوصاً في أفريقيا والعالم العربي والإسلامي".
وتتّجه كلّ الأنظار الآن في هذا العالم المنقسم، نحو مصير السكان الفلسطينيين.
وتُعتبر هذه المسألة حسّاسة خصوصاً بالنسبة للدول العربية التي قامت بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، بينما أعربت دائماً عن دعم لا يتزعزع للفلسطينيين.
ويقول فرنسوا هايسبورغ من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، إنّ الدول العربية "تخشى (اليوم) ردّ فعل شعوبها".
"المعادلة المجهولة"
أمّا بالنسبة لبرتران بادي الأستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس، فإنّ التعبئة في صفوف الرأي العام ربما تكون "المعادلة المجهولة الرئيسية".
ويقول "تعتقد بعض الحكومات العربية أنّ دعم فلسطين يأتي بتكلفة باهظة، لكن الرأي العام فيما متمسك بالقضية الفلسطينية ويتماهى معها". ويضيف "إنها وسيلة يعبّر من خلالها الشعب عن إحباطاته من الأنظمة الاستبدادية الفاسدة التي تعمل بشكل سيء"، مشيراً إلى الأعلام الفلسطينية التي كانت موجودة في كلّ مكان خلال الربيع العربي، أو خلال مسيرات جزائرية، أو خلال كأس العالم لكرة القدم.
ويلفت بادي إلى أنّ "فلسطين كانت أيضاً لفترة طويلة جداً، شعاراً لدول عدم الانحياز".
غير أنه يضيف "إننا ننتقل من عدم انحياز إلى لحظة تسعى فيها دول الجنوب إلى لعب دور متوازن في العلاقات الدولية... ويكون مركز ثقل لأولئك الذين يسعون إلى إعادة تقديم فلسطين في لعبة المفاوضات".
وفي السياق، وجّه الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي يرأس مجلس الأمن الدولي، نداء الأربعاء لحماية "الأطفال الفلسطينيين والإسرائيليين".
ويؤكد فرنسوا هايسبورغ أنّه بالإضافة إلى القضية الفلسطينية، فإنّ ردود الفعل على الحرب "من المقرّر أن تتطوّر عند اكتشاف حجم الخسائر البشرية وأزمة الرهائن". وسيتأثّر ذلك بردّ إسرائيل على غزّة الذي "سينطوي على عنف كبير جداً" و"معضلة جيوسياسية" بين تفكيك حماس وإدارة أزمة الرهائن.
وأكّد وزير الخارجية الفرنسي السابق دومينيك دو فيلبان الخميس لإذاعة فرانس إنتر، أنّ الأحداث الحالية تجري "تحت أعين وأنظار العالم الذي لا يرى الأمور كما نراها (الغربيون)"، داعياً إلى أخذ ردود الفعل هذه "في الاعتبار".
من جهته، يذكر حسني عبيدي أنّ عدداً من الدول برّرت حيادها في أوكرانيا بسياسة الكيل بمكيالين تتمثّل في إدانة الغزو الروسي مع "الامتناع عن القيام بذلك في مواجهة الاستعمار في الأراضي الفلسطينية". ويضيف "هذه الفجوة خطرة. إنها تشوّه سمعة الديموقراطيات الغربية".