إيلاف من الرباط : رغم المكاسب الدستورية التي تكرّس حق الشباب المغربي في المشاركة السياسية، لا تزال نسبة انخراطهم في تدبير الشأن العام دون المستوى المطلوب. ويثير هذا العزوف قلق الفاعلين السياسيين والأكاديميين، الذين أجمعوا خلال ندوة نظمتها "أكاديمية الشباب المغربي"، أن ضعف التأطير الحزبي وأزمة الثقة في المؤسسات من بين العوامل التي تعيق انخراط الشباب في العمل السياسي.
واعتبر المشاركون، في الندوة التي عقدت عبر التناظر المرئي ليلة الأحد، أن الأحزاب مطالبة بإعادة النظر في استراتيجيات استقطاب الشباب، عبر توفير بيئة أكثر جاذبية تمكّنهم من لعب دور فاعل في صنع القرار، بدل الاقتصار على أدوار شكلية. كما شددوا على ضرورة تجديد الخطاب السياسي وتعزيز التكوين المدني، مع فتح المجال أمام الكفاءات الشابة لتولي مناصب قيادية داخل الهيئات المنتخبة.
ويرى العباس الوردي، المنسق العام لـ"أكاديمية الشباب المغربي"، أن المسؤولية مشتركة بين الشباب والمؤسسات، مشيرًا إلى أن العزوف عن العمل السياسي يفسح المجال أمام فئات أخرى في مواقع المسؤولية، وقد لا تعكس اهتماماتهم تطلعات الشباب، مما يؤثر على جودة السياسات العمومية. ودعا إلى تعزيز التربية السياسية في المناهج الدراسية، وتطوير آليات التواصل بين الأحزاب والشباب لضمان انخراطهم الفاعل في الحياة السياسية.
من جهته، اعتبر ياسين ايصبويا، الباحث في قضايا الشباب والمجتمع المدني، أن العلاقة بين الشباب والمشاركة السياسية علاقة "تبادلية"، إذ أن ارتفاع نسبة انخراط الشباب يساهم في اتخاذ قرارات أكثر استجابة لحاجيات المجتمع. وقال إن "الشباب ليس مجرد مستهلك للسياسات، بل يجب أن يكون شريكًا في صناعتها وتوجيهها".
في سياق متصل، شدد ايصبويا على أن بناء ديمقراطية حقيقية لا يمكن أن يتحقق إلا عبر انخراط واسع للشباب، سواء من خلال التصويت أو الانضمام للأحزاب أو عبر المبادرات المدنية. واستشهد بخطب العاهل المغربي الملك محمد السادس، التي أكدت على ضرورة إشراك الشباب في تدبير الشأن العام، معتبرًا أن هذه الدعوات تشكل أساسًا لدفع الأحزاب والمؤسسات إلى تبني سياسات إدماجية أكثر فعالية.
مكاسب دستورية غير مفعّلة
أوضح ايصبويا أن المغرب حقق مكاسب دستورية مهمة تعزز مشاركة الشباب، لكن ترجمة هذه المكتسبات إلى سياسات ملموسة لا تزال تمثل تحديًا. واعتبر أن أزمة الثقة في المؤسسات السياسية من أبرز العوائق التي تحول دون انخراط الشباب، مرجعًا ذلك إلى غياب الفعالية داخل بعض المؤسسات، وانغلاق الأحزاب أمام الطاقات الشابة، والشعور بعدم جدوى المشاركة.
وأشار إلى أن بعض الأحزاب بدأت تعتمد على التكوين السياسي وتأطير الشباب داخل هياكلها، كما أن مبادرات مثل "أكاديمية الشباب المغربي" تساهم في تكوين جيل جديد من الفاعلين السياسيين القادرين على قيادة التغيير الإيجابي داخل المؤسسات.
واقترح ايصبويا على وزارة الداخلية المغربية تعديل مصطلح "التسجيل في اللوائح الانتخابية" ليصبح "التسجيل في لوائح المشاركة المواطنة"، معتبرًا أن هذا التغيير قد يعزز من وعي الشباب بأهمية الانخراط في الحياة السياسية.
تحديات التنظيم الحزبي وغياب التميز الأيديولوجي
من جانبه، نوّه عصام العروسي ، المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية، بالتجربة المغربية، معتبرًا أن العقبات التي تعترض مشاركة الشباب في السياسة يمكن تجاوزها، لأن السياسة "فن الممكن". لكنه أعرب عن أسفه لعدم تفعيل عدد من التدابير الرامية إلى إدماج الشباب في العمل السياسي.
وأشار العروسي إلى أن العولمة والثورة التكنولوجية جعلت بعض الأحزاب غير قادرة على مواكبة التحولات المجتمعية، مما أفقدها مرجعياتها الفكرية والسياسية، وحوّلها إلى "دكاكين انتخابية" ببرامج متشابهة. ودعا إلى تضمين مفهوم المشاركة السياسية في المناهج التعليمية، حتى يكتسب الشباب ثقافة سياسية منذ سن مبكرة.
إصلاح الأحزاب وتأهيل الشباب للقيادة
اعتبر العروسي أن الأحزاب السياسية المغربية لم تواكب تطورات العصر، ولم تبذل جهودًا كافية لاستقطاب الشباب، مما أدى إلى تراجع دورها كوسيط بين المجتمع والدولة. وساءل الأحزاب حول مدى استعدادها لتمكين الشباب من المساهمة في إنضاج الحوار السياسي وإنتاج الأفكار. كما دعا "أكاديمية الشباب المغربي" إلى تكوين الشباب في مجالات القيادة السياسية، حتى يتمكنوا من لعب دور حقيقي في صناعة القرار.
نحو نموذج سياسي أكثر إدماجًا للشباب
واتفق المتدخلون في الندوة على أن تجاوز أزمة العزوف السياسي بالمغرب يتطلب تبني سياسات جديدة تضمن انخراط الشباب في تدبير الشأن العام، عبر توفير بيئة حزبية جاذبة، وتجديد الخطاب السياسي، وإطلاق حملات توعوية تعزز ثقة الشباب في المؤسسات. كما شددوا على أن دور الشباب لا ينبغي أن يقتصر على التصويت أو الانخراط الحزبي، بل يجب أن يمتد إلى ريادة الأعمال والعمل المدني والدبلوماسية الموازية، بما يعزز مكانة المغرب على الصعيدين الإقليمي والدولي.