: آخر تحديث

الاختلالات السياسية تستدعي فلول الأسد

4
3
3

عندما سقط نظام الأسد في الثامن من يناير (كانون الثاني) عام 2024، بدا وكأن النظام بمؤسساته وأجهزته وأشخاصه، مجرد كتلة ملح ذابت دون أن تترك أثراً يشير إلى ما كانت عليه من وجود وانتشار. ولم يقتصر انهيار النظام على البنية السياسية ممثلة بإدارة السلطة من مستوى الرئاسة إلى أصغر الهياكل الحكومية، بل شمل الجماعات السياسية بما فيها حزب «البعث» الحاكم، والأحزاب المتحالفة معه في إطار «الجبهة الوطنية التقدمية»، وامتد الانهيار والاختفاء إلى المنظمات الشعبية والنقابات، من عمال وفلاحين ونساء، إلى الأطباء والمهندسين والمعلمين، والتي عُدَّت في الحقبة الأسدية الطويلة رديفاً للسلطة، وغالباً ما حمل كثير من كوادرها السلاح دفاعاً عن النظام، حيث تطلبت الأوضاع.

الأهم في كتل النظام التي انهارت، كانت القوات المسلحة، التي تم إعدادها واعتمادها المدافع الأول والرئيس عن النظام، طوال نحو خمس وخمسين عاماً من حكم الأسد، وقد توزّعت على قوات الجيش، والقسم الرئيس منه يدار بواسطة وزارة الدفاع، والأقل من قبل الرئاسة مباشرة، أما الشق الثاني من القوات المسلحة فهو الأجهزة الأمنية، التي وإن كانت لها روابط إدارية بجهات متعددة، لا سيما وزارتَي الدفاع والداخلية، فإن مهماتها ارتبطت بمكتب الأمن الوطني، الذي يديره شخص يتصل مباشرة برئيس النظام، الذي يتولى من الناحية الدستورية منصب القائد العام للجيش والقوات المسلحة، جامعاً كل السلطات في يده.

لم يكن صدى ذوبان الهياكل السياسية والشعبية، وغياب شخصياتها الحدث الأهم، رغم أهمية بعضها فيما لعبته من أدوار في سياسة نظام الأسد، بل كان الأهم هو اختفاء القيادات والكوادر العسكرية والأمنية، التي لعبت أدواراً في الحرب الدموية على السوريين في الخمسة عشر عاماً الماضية، فقتلت وجرحت واعتقلت وشردت ملايين السوريين، ودمرت مقدراتهم ونهبت أموالهم، فكيف تسنى لعشرات، بل مئات آلاف، إذا أضفنا إليهم المجرمين والقتلة من المتقاعدين، أن يختفوا جميعاً وكأنهم لم يكونوا أصلاً.

وتتمثل خطورة هؤلاء من ضباط وكوادر الجيش والأمن في أنهم يملكون خبرات ومعارف، ولهم علاقات وصلات متعددة ومعقدة، ولديهم إمكانات مادية وأسلحة، بل إن بعضهم له علاقات تتجاوز الداخل السوري إلى المحيطين الإقليمي والدولي.

وإذا كان قسم قليل من عسكريي ومخابرات الأسد رحلوا معه أو بعده، عقب سقوط النظام، فإن القسم الرئيس لجأ إلى حواضنه المحلية، وبالقرب منها، قبل أن يتوجه بعضهم إلى خيارات البحث عن ملجأ، ينقذه من تبعات جرائمه وارتكاباته، وكان لبنان والعراق وإقليم كردستان العراق ملاذاً أو طريقاً إلى بلدان أخرى، بينما سعت غالبية الباقين إلى واحد من خيارين: العيش في حالة تخفٍّ، وهؤلاء هم الأغلبية السياسية خصوصاً، أو التحول إلى خلايا نائمة من العسكريين والأمنيين بانتظار فرصة للهرب، أو للمشاركة في تحرك يخلق وقائع، تعيد ترتيب الأوضاع، سواء في مناطق إقامتهم أو في مناطق تعاني من احتدامات وتشوشات سياسية.

ومما لا شك فيه، أن وجود خلايا نائمة من عسكريي وأمنيي الأسد، يمكن أن تجمع حولها بعض أتباع ومقربي وشبيحة النظام من المدنيين، مستغلين بعض وقائع محلية أو سياسية، وهو ما تم تجسيده عملياً في بداية أحداث الساحل في مارس (آذار) عام 2025، حيث نظموا وسلحوا جماعات، وأداروا عمليات ضد قوى الأمن العام ومدنيين مسالمين، كانت فاتحة ما باتت معروفة بـ«عمليات الساحلْ»، التي أدت إلى ضحايا وخسائر كثيرة، ومثَّلت تهديداً للسلم الأهلي في سوريا.

ومثلما فتحت أحداث الساحل التي غذاها، ووسَّعها فلول الأسد، فإن تطورات الأوضاع في السويداء، فتحت الباب لدور قام به فلول الأسد من عسكريين وأمنيين ومحرضين في تغذية المواجهات، مما فاقم من حجم الضحايا والخسائر المادية من أطراف الصراع جميعاً، والأمر يمكن أن يتكرر بشكل أسوأ في مناطق شمال شرقي سوريا.

لقد أدت الظروف، خصوصاً السياسيةْ، إلى ظهور وتنامي صراعات محلية في مناطق عدة، استغلها فلول الأسد للتدخل، وتوسيع حدود الصراع، ولدينا ثلاثة أمثلة؛ أولها: ما جرى في الساحل، والثاني: ما يحدث في السويداء، والثالث: يبدو محتملاً في شمال شرقي سوريا، الأمر الذي بات يتطلب وعياً سورياً للمخاطر، ويفرض خطوات وإجراءات من مختلف الأطراف، أقلها وقف حملات التحريض والتحشيد والتخوين، وفتح بوابات التسويات والحلول السياسية، وتخفيض مساعي استخدام السلاح، الذي يؤدي استعماله إلى خسارة تلحق بكل السوريين دون استثناء، وهو يعيق استعادة سوريا لوحدتها، وذهابها إلى أهدافها في تجاوز ما خلَّفته حقبة الأسدين من آثار وتداعيات كارثية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد