: آخر تحديث

معلومات قرضاوية مضلِّلة

2
2
2

يعيبُ تعقیب جمالِ الدين عطية الاستدراكي على ورقةِ عبد الوهاب المسيري (معالم الخطاب الإسلامي الجديد) من ناحية إيراد المعلومات، أنَّه لم يذكر أسماءَ التسعة من شبان الإخوان المسلمين الذين كانوا النَّواة الأولى لـ«لجنة الشباب المسلم»، المعنية بالنَّشر والتَّوزيع.

إنَّ محمد رشاد سالم عبر محمود الطناحي ذكر أسماء «أعضاء لجنة الشباب المسلم»، المعنيين بالنشر والتوزيع، الذين بلغ عددهم ثمانية أعضاء، فلو أن جمال الدين عطية ذكر أسماء التسعة الأوائل، لكنا عرفنا من منهم أصبحوا معنيين بالنشر والتوزيع: هل هم ثمانية أم أقل من هذا العدد؟

‏ومما قاله الشيخ يوسف القرضاوي في رثاء عبد الحليم أبو شقة عن «لجنة الشباب المسلم»: «هؤلاء الشباب من أمثال عبد الحليم، ورشاد رفيق سالم (الاسم القديم لمحمد رشاد سالم)، ويوسف عبد المعطي، وجمال عطية، وعز الدين إبراهيم وغيرهم، لم يكونوا بعيدين عن الجهاد والتنظيم الخاص، بل اتهموا في قضايا التنظيم، ودخلوا السجون، وقُدِّموا للمحاكمات، وبعضهم مثل عز الدين استطاع أن يهرب مع بعض إخوانه من مصر إلى ليبيا، ويلجأ إلى الملك السنوسي رحمه الله».

‏نلحظ هنا أن يوسف عبد المعطي وعز الدين إبراهيم ليسا من ضمن الأسماء التي ذكرها محمد رشاد سالم عبر محمود الطناحي بأنها كانت هي أعضاء «لجنة الشباب المسلم». وهنا يثور سؤال هو: هل الأسماء التي ذكرها هي حصراً كل أسماء أعضاء «لجنة الشباب المسلم» المعنية بالنشر والتوزيع أم أن هناك أسماء لم يذكرها؟

إن كانت الأسماء التي ذكرها محمد رشاد سالم هي حصراً كل أسماء أعضاء «لجنة الشباب المسلم» المعنية بالنشر والتوزيع، فهل يكون يوسف عبد المعطي وعز الدين إبراهيم من ضمن أسماء المجموعة الكبرى التي عرفت لاحقاً باسم «لجنة الشباب المسلم»، واختلط الأمر على القرضاوي فضم اسميهما إلى المجموعة الصغرى، المعنية بالنشر والتوزيع؟

القرضاوي أخبر أن نشأتهم أتت بغير إرادة «النظام الخاص»، بل إن هذه النشأة - كما فسّر سببها - كانت ردة فعل على جعل «النظام الخاص» جلّ اهتمامه بالجانب الجهادي، وإهماله للجانب الفكري والثقافي والتربوي!

‏إفادة القرضاوي التي كنت أوردتها بنصها في المقال السابق، قصرت غیاب «الاهتمام بالجانب الفكري والثقافي والتربوي» والنقص في «التربية العقلية والعلمية» المركزة على «النظام الخاص»، مع الزعم بأنهما كانا متوافرين في تنظيم الإخوان المسلمين العام.

ثم ما لبثت هذه الإفادة أن تناقضت مع ما حوته، حين حديثه عن الفراغ العلمي والفكري الذي يجب أن يُملأ، ووسائل «لجنة الشباب المسلم» في ملء هذا الفراغ وسد هذه الثغرة.

قال في الوسيلة الأولى: «قراءات جديدة في كتب غير كتب الإخوان ورسائلهم، ولا سيما أنها كانت محدودة في ذلك الوقت، تكاد تكون مقصورة على رسائل الإمام البنا، وبعض كتب اعتبرت من رسائل الجماعة، مثل كتاب (تذكرة الدعاة) للبهي الخولي».

الآن هو يتحدث عن تنظيم الإخوان المسلمين العام لا عن «النظام الخاص»، وقد أقر في هذا الحديث بأن كتب الإخوان كانت كتباً محدودة، وسمّى منها كتابين؛ الأول للبنا، والثاني للبهي الخولي.

إذا ما تجاوزنا المماحكة الإخوانية الديماغوجية بأن «النظام الخاص» أنشئ من أجل إحياء فريضة «الجهاد» المعطلة، ونظرنا في طبيعته بعيداً عن هذه المماحكة، فهو نظام عسكري سري، مهمته التدريبات الرياضية للأبدان والتدريب على استعمال الأسلحة بأنواعها المختلفة، وليس من مهامه إعطاء دروس فكرية وثقافية وتربوية مركزة لأعضائه. فهذه مهام يجب أن يقوم بها التنظيم العام للإخوان المسلمين لا «نظام الإخوان الخاص».

وقال في الوسيلة الثانية: «ترجمة كتب من اللغات الإسلامية الأخرى، وأهم ما اتجهت إليه: كتب العلامة أبي الأعلى المودودي أمير الجماعة الإسلامية في باكستان، وصاحب الرسائل الإسلامية التي تركز على الجانب الفكري، وتناقش القضايا من منطق العقل الإسلامي المعاصر، الناقد للحضارة الغربية».

هذا كذب غايته التفخيم والتضخيم لنوع العمل الذي قامت به «لجنة الشباب المسلم» بالقاهرة في ظل سنوات قليلة. فاللجنة كان دورها يقتصر على طباعة كتب المودودي التي ترسل لهم من «دار العروبة للدعوة الإسلامية» بباكستان مترجمة من لغة الأوردو إلى اللغة العربية. وكذلك كان الأمر في سوريا، فـ«دار العروبة» الباكستانية تترجم كتب المودودي إلى العربية و«دار الفكر» تطبع في دمشق.

‏فـ«دار العروبة للدعوة الإسلامية» بباكستان هي التي كانت تترجم كتب المودودي إلى عدد من اللغات الإسلامية وغير الإسلامية وإلى لغات أوروبية، كالإنجليزية والفرنسية. وجملة القرضاوي التي قال فيها: «أهم ما اتجهت إليه اللجنة في ترجمة كتب من اللغات الإسلامية الأخرى، كتب المودودي»، هي جملة مضلِّلة، فالكتب كلها كانت كتب المودودي المترجمة من لغة الأوردو إلى اللغة العربية.

هناك كتابان لغير المودودي، صاحبهما هو مترجم كتب المودودي الأساسي قبل وفاته عام 1954، وأعني به مسعود الندوي.

الكتاب الأول كتاب تعريفي دعائي عن جماعة المودودي المسماة «الجماعة الإسلامية». والكتاب الآخر، كتاب عن تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند، اختصر فيه مسعود الندوي كتاباً له في هذا الموضوع، لكن هذين الكتابين لا أهمية لهما في رصد البدايات الأولى لنقل «المذهبية المودودية» إلى اللغة العربية، وتأثيرها في فكر الإخوان المسلمين في مصر وسوريا والعراق والسعودية، ابتداء من مطلع الخمسينات الميلادية، ولا أهمية لها في تتبع تأثر سيد قطب بها من خلال قراءته لكتب المودودي التي طبعت في القاهرة قبل سجنه، وقراءته لكتب أخرى له طبعت في دمشق في أثناء سجنه.

قال القرضاوي في الوسيلة الثالثة: «التتلمذ على علماء من خارج الإخوان، بل ربما كان لهم موقف ناقد أو متحامل على الإخوان، مثل الأديب واللغوي والمحقق العلامة محمود محمد شاكر، الذي كان ينقد الإخوان ومرشدهم الأول حسن البنا بلسان حاد. ولكن هؤلاء الشباب ومن تأثر بهم ذهبوا إلى محمود شاكر في بيته في مصر الجديدة، ليحضروا دروسه، ويستمعوا إلى توجيهاته، لا يمنعهم من ذلك انتقاداته العنيفة للإخوان؛ لثقتهم بإخلاص الرجل وغزارة علمه».

في هذا القول نحن أمام أسلوب ملتوٍ. فهو استعمل حرف العطف «أو» للتراجع أو الاستدراك أو للتصحيح. ففي هذه الجملة القصيرة، الموقف الناقد للإخوان، هو بالأحرى موقف متحامل عليهم!

وهذا الحكم الأعمى يتفق مع عصبية القرضاوي الإخوانية وتعصبه لعشيرته الإخوانية.

استناداً إلى المثال الذي أورده، وهو مثال محمود شاكر، كان من الأنسب أن يقول بجملة قاطعة لا توهنها كلمة «ربما»: كان لهم موقف متحامل على الإخوان. لكنه لم يكن يجرؤ على قول ذلك!

عبد العزيز كامل الذي كان عضواً في مكتب الإرشاد، وكان شاهداً على درسين من الدروس التي تلقاها بعض شبان الإخوان في بيت محمود شاكر، وكانا عن تاريخ العرب قبل الإسلام وفي صدر الدعوة الإسلامية، قدم رواية مختلفة جداً عما قاله القرضاوي.

قال في كتابه (في نهر الحياة): «وحضرت من هذا درسين، وكنت أنظر إلى شباب الإخوان، والقليل منهم متقبل لذلك وأكثرهم عنه غير راض. الموضوع يحتاج إلى حصر ذهن وإلى أصالة، ونفس في الدراسة طويل، والاستشهادات فوق الكثير منهم... طريقة تعاملهم مع محمود وتعاملهم معه لم تكن مما ألفوا، فأخذ يضيق بهم ويضيقون به. وناقشوه في أمر الإخوان، فوجد في أكثرهم ضحالة فوجئ بها، وتعصباً لا يستند إلى دليل، وسرعة إلى النتائج دون تثبت. وازداد الجو توتراً، وبدأ ينفر من بعض تصرفاتهم، ومن تصرفات الإخوان في الفترة السابقة، واشتد الحوار، وارتفعت حرارته، ورأوا فيه عدم احترام لقياداتهم واستخفافاً بجهودهم، وتخطئة لمنهجهم، ورأى فيهم صوراً في التعصب الضيق، والإسراع بالحكم على الناس ولو بالكفر واستباحة الدم. وفي يوم اشتد غضبه، وضاق بهم ذرعاً، وقالها في عنف باتر: (الذي يريد أن يتعلم مني، أو يتناقش معي، فليترك ما في رأسه مع حذائه الذي ينعله عندما يدخل بيتي).

وكانت هذه الفاصلة بينهم وبينه... لقد دافعوا أمامه عن الإخوان فيما نسب إليهم من حوادث، النسف أو القتل، واعتبروا هؤلاء معتدين يستحقون القتل».

الرواية الإخوانية الأخرى للذي قاله محمود شاكر لهم، هي: «اخلعوا أفكار حسن البنا مع خلعكم لأحذيتكم عند باب الغرفة». وللحديث بقية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد