: آخر تحديث

تقييم الطروحات

4
3
4

تسعى جميع أسواق الأسهم إلى توسيع قاعدتها الرأسمالية، عبر إدراج الشركات في السوق، وتحويلها من شركات فردية أو شركات مملوكة إلى مجموعة من الشركاء إلى شركات مساهمة. بالإضافة إلى سعي الجهات المشرفة على الأسواق إلى تنويع نشاطات الشركات داخل السوق، فنجد الشركات المالية مثل البنوك، وشركات الوساطة، وشركات الإسمنت، وشركات تقنية المعلومات، وشركات التجزئة، وشركات النفط والبتروكيماويات، إلى غير ذلك من الأنشطة التي يحتاج إليها المجتمع.

وتسعى الجهات المشرفة على الأسواق إلى وضع ضوابط صارمة لدخول هذه الشركات، ومع وجود هذه الضوابط فإنه من الطبيعي أن تكون بعض هذه الشركات فاشلة، وهذه سُنَّة من سُنن السوق، فهناك شركة تُولد وهناك شركة تموت.

ودخول الشركات إلى السوق يزيد قاعدة المُلَّاك، ويعزز الشفافية؛ لأن ميزانيات الشركات المساهمة تُنشَر كل ثلاثة شهور، وهناك ميزانية شاملة تُنشر كل سنة، مما يعزز الشفافية، ويجعل الجمهور والمتخصصين يطَّلعون على نتائج الشركات إذا كانت رابحة أو خاسرة، ومدى نسب الربح السنوية. وكذلك يسهل محاسبتها من خلال الجمعية العامة؛ سواءً العادية وغير العادية. وكذلك مثل هذه الإدراجات يُطيل في عمر الشركة لسهولة التخارج. فحامل الأسهم الذي لا يقتنع بأداء الشركة يُمكنه بيع أسهمه في سوق الأسهم والتخارج مع الشركة، وقد نجد شركات يتغير مُلَّاكها كُلياً فيحل مُلَّاك جدد بدلاً من المؤسسين. وهذا يؤدي إلى إطالة عمر الشركة والحفاظ على وظائف منسوبيها.

وطرح الشركات للاكتتاب العام من قبل الجمهور يكون عبر طريقين: الطريق الأول أن تكون الشركة بِكراً، فيتنادى بعض رجال الأعمال لتأسيس شركة بنشاطٍ محدد، أياً كان هذا النشاط، ويبدأون بوضع دراسة جدوى للشركة عبر مكتبٍ متخصص، ويحددون آفاق السوق لهذا النشاط، وتوقع ربحية الشركة سنوياً، وإمكانية تطويرها، ثم يبدأون في توزيع هذه الدراسة على المهتمين بمثل هذا النشاط، ويجمعون نصف رأس المال، ثم يطرحون نصف رأس المال الآخر لاكتتابٍ عام يشارك فيه الجمهور. ومثل هذا الاكتتاب في العادة لا تصاحبه علاوة إصدار، بحكم أن المكتتبين بدأوا مع الشركة من الصفر.

أما الطريق الآخر، فهو أن تكون الشركة قائمة وتربح، وتكون ذات ملكية خاصة لمؤسسيها، فيرغب المؤسسون في طرح جزء منها للجمهور. وقد تكون هذه الشركة أُسست قبل ثلاثين عاماً أو أكثر أو أقل، وهنا يكون الاكتتاب على جزأين: قيمة اسمية للسهم تذهب للشركة، وعلاوة إصدار تذهب للمؤسسين، وهي حق لهم؛ لأنهم بذلوا مجهوداً سنينَ طوالًا، وخلقوا كيانًا يثق فيه الجمهور، فعلاوة الإصدار من حقهم.

ما يثير الانتباه في هذا الشأن -وخصوصاً في السوق السعودية- أن علاوة الإصدار تأتي مبالغاً فيها، وقد تكون علاوة الإصدار سبعة أضعاف القيمة الاسمية، رغم أن الذي يقوم بتقييم الشركة شركات مالية متخصصة، وتقوم بدراسة الشركة من الداخل، والاطلاع على ميزانياتها الربعية والسنوية، والالتقاء بمسؤولي الشركة، بمعنى أن اطلاعهم على أداء الشركة يكون اطلاعاً نافياً للجهالة، فتكون علاوة الإصدار مبالغاً فيها، ومع ذلك نجد الأفراد من الجمهور يقبلون على مثل هذه الاكتتابات، لوجود تصور سابق لديهم بأن كل اكتتاب جديد لا بد من أن يربح بعد طرحه للسوق وتداول سهمه في سوق الأسهم.

ولكن يبدو أن مثل هذا الأمر قد تغير على الأقل في السعودية، فنجد أن الشركات التي طُرحت أخيراً معظمها يُتداول دون قيمة الطرح، بمعنى أن من اكتتب يكون قد خسر من 10 إلى 15 في المائة من جرَّاء اشتراكه في الاكتتاب، لذلك نجد المحترفين في سوق الأسهم السعودية يعزفون عن الاكتتاب في مثل هذه الشركات؛ نظراً لأن أسعار طرح السهم متقاربة مع أسعار أسهم شركات قوية في السوق، ولها تاريخ في الربحية، وأيضاً لها تاريخ في صرف عائد سنوي أو نصف سنوي أو ربع سنوي أرباحاً، ما يجعل المحترفين يقبلون على هذه الأسهم، ولا يشاركون في اكتتابات أسهم الشركات المطروحة.

البعض يُحمِّل هيئة سوق المال مثل هذه الطروحات التي يعدُّونها فاشلة، ولكن واقع الحال أنَّ هيئة سوق المال لديها لائحة تُنظم مثل هذه الطُروحات، فمن اتفق مع شروط هذه اللائحة يتم قَبوله في السوق، ومن لا يتفق مع شروط اللائحة يُرفَض في السوق، لذلك الهيئة لا تتحمل مسؤولية فشل الشركات، فعلى الجمهور أن يعي أن ليس كل شركة جديدة لا بد من أن تربح، وأن يقارن بين أسعار أسهم الشركات المطروحة وأدائها، وبين أسعار أسهم الشركات القوية التي توزع أرباحاً والموجودة في السوق منذ عشرات السنين، ثم يختار أن يستثمر حتى يكون استثماره في الموقع الصحيح وذا جدوى له، ودمتم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد