: آخر تحديث

حروب الذئاب

3
3
3

لم تبتدع الحروب إلا للضرورة، أي حين يكون لا مفر منها، دفاعاً عن أرض أو عرض أو مال أو نفس. وأياً كان الدافع إليها، فالأصل أن تبقى مقيّدة بأخلاقيات لا يصح تجاوزها بأي مبرر. والحرب موضوع طويل للبحث منذ أن بدأ الاحتكام إليها أداة للجم رغبة الإنسان في الجور على ما لدى أخيه الإنسان، ولو كان بسيطاً، مثل رقعة عشب، أو بئر صغيرة، أو قدر من الكرامة والاستقلالية يغيظ الساعين إلى السيطرة على كل شيء ويسوّغ لهم الاعتداء على غيرهم. ومع الوقت، اتسعت بواعث الحروب بقدر ما ازداد شطط الإنسان، لكنه هذه المرة الإنسان الذي يمكن في لحظة حماقة أو تآمر مع مثيله أن يحصد أرواح ملايين بغير معنى. لا يمكن أن تكون الحرب أصل الأشياء، كما يراها بعض المنظّرين لها، ولا هي الفعل الحاسم في العلاقات بين المجتمعات والدول، ما لم تكن مشفوعة بمبررات عادلة. وحتى العدالة في هذا السياق لا تخضع لمعايير ثابتة، فكم زيّفها صناع الحروب وزيّنوا لشركائهم الطريق إليها، لتدمير أوطان وإبادة ملايين البشر. ملعونة الحرب حين تكون عبثية وغير عادلة، وصانعوها، وعرّابوها، وأثرياؤها، وكل من سعى في خراب أرض أو قتل نفس بغير حق. الحرب صناعة وقودها بشر ودول، ومشعلوها وخائضوها هم، في غياب مبرراتها العادلة، أغبى صنف من الإنسان والتعبير الأوضح عن سعيه لتهلكة نفسه وغيره مدفوعاً بطمعه وشره، بينما حوله ما يدعو للحياة.ولا يكتفي هذا الصنف من الناس بغبائه الطبيعي، ولا يريد أن يبقى وحيداً في ساحة الحرب، بل يجيش لها كل ما حوله، حتى الذكاء المصطنع. جرّ الإنسان خلفه في الحروب فيلة وأحصنة، وابتكر عربات وأسلحة تبدأ من فرع شجرة مسنون ولا تنتهي عند طائرة صغيرة مسيّرة تقتل الفرد في فراشه بهدوء. كأن الإنسان وهو يعلم أن الحرب استثناء قاس، يريد أن يورط كل ما حوله فيها، رغم أنه لا الحيوانات ولا العقول التكنولوجية الموجهة ولا الروبوتات بكل صور تطورها، تقاسمه الندم على إشعالها، إن ندم، ولا خزي الخروج على أخلاقها، وكثيراً ما يخرج، وقليلاً ما يأسف لذلك. ربما يأتي حين من الدهر يتبرأ فيه الإنسان كلياً من الحرب، لا بالتوقف عن إشعالها بغير ضرورة، وإنما بترك مواقعه في ساحاتها لمحاربين جدد ليسوا من لحم ودم، وإنما من رقائق ومستشعرات، لا يرقون لحال ضحية ولا يستشعرون هول الخراب. ومقدمات ذلك عرفناها منذ سنوات بجنود آليين ينتمون للقوى الكبرى أو دول تحارب نيابة عنها، ولا مشاعر لهم ولا تعنيهم أخلاقيات الحرب. وقبل أيام عرضت الصين أحدث روبوتاتها العسكرية «الذئاب»، وهي نسخة مطوّرة من كلاب روبوتية تؤدي كل المهام الصعبة في الحرب. ذكاء الإنسان الذئب يسعفه أن يصنع كل شيء، لكنه بغباء، يمضي إلى حروب أكثر فتكاً، لا تسقط فيها دموع الروبوتات على ضحاياها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد