: آخر تحديث

الحاجة إلى الصيام الحسيّ

2
3
2

عندما يشعر الإنسان بعدم التركيز أو ضيق في الصدر، من النادر أن يتبادر إلى ذهنه السبب الرئيسي، لأن مسببات عدم التركيز كثيرة، ومن النادر جداً أن نربط ذلك بالفوضى من حولنا، ولكن الحقيقة أن بيئتنا البصرية تؤثر في أعصابنا وهدوئنا الداخلي أكثر مما نظن. وجود مكتب غير مرتب أو غرفة مملوءة بالأشياء المكدسة لا يُسبّب فقط انزعاجاً بصرياً، بل يؤدي إلى استنزافٍ بشكل غير مباشر لطاقتك الذهنية. كل عنصر زائد أو ليس في مكانه من حولك، بوضع فوضوي، يمثل معلومة يجب على الدماغ معالجتها أو تجاهلها، وهذا الجهد المستمر، حتى إن كنتَ لا تلاحظه، يستهلك جزءاً لا يُستهان به من القدرات العقلية المخصصة للمهام الأخرى. لذلك يشعر الإنسان بالراحة بعد مجرد تنظيف مكتبه أو ترتيب أغراضه، وكأن الهواء أصبح أخف، وكأن الراحة النفسية أصبحت أكبر.لفهم هذا الأثر بشكل علمي وعملي أكثر، يمكننا الرجوع إلى تجربة أجراها باحثون من جامعة برينستون الأمريكية، تم نشرها في مجلة علم الأعصاب، أظهرت التجربة أن الأشخاص الذين جلسوا في بيئة بصرية فوضوية سجلوا نشاطاً عصبياً أعلى في القشرة البصرية مقارنة بمن جلسوا في بيئة مرتبة، ما يعني أن الدماغ كان يعمل أكثر لتصفية التشويش البصري الذي يرونه أمامهم. وبسبب ذلك تراجعت قدرتهم على التركيز في المهام التي طُلِبَ منهم إنجازُها. وتوصّل الباحثون بعد ذلك إلى أن التحفيز الزائد في الدماغ، والذي سببته الفوضى، يُقلل من موارد الانتباه لدينا، ويجعل من الصعب التركيز على هدف واحد.تأثير البيئة لا يقتصر على المكاتب أو غرف الدراسة فحسب، فحتى الفوضى الرقمية (مثل نوافذ المتصفح المفتوحة بشكل مفرط) أو إشعارات الهاتف المستمرة، أو المئات من المستندات غير المصنفة بملفات، تصنع تشويشاً ذهنياً، ولهذا تجد بعض خبراء الصحة النفسية يدعون إلى ما يُعرف بالصيامِ الحسيّ، أي تخصيص أوقات للهدوء البصري والصوتي والتقني. نحن لا نحتاج فقط إلى وقت للراحة، بل إلى مساحة نظيفة تعطي الدماغ فسحة للتنفس. البيئة المرتبة لا تصنع النجاح وحدها بالطبع، لكنها تهيئ أرضاً خصبة لكي تكون شخصاً مبدعاً ومستعداً للانطلاق بكامل طاقتك الذهنية، وتجعل التركيز متاحاً عندما تحتاج إليه فعلاً في عالم مملوء بالمشتتات. www.shaimaalmarzooqi.com


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد