في عالم تتسابق فيه الأدوات الذكية، باتت الكلمات هي العُملة الجديدة. لكن ليست أي كلمات، بل تلك التي تُكتَب بدقة، وتُفهم جيدًا، وتُوجّه الآلة كما لو كانت موظفًا ينتظر تعليمات واضحة. الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل تشات جي بي تي وأمثاله، غيّر شكل العلاقة بين الإنسان والتقنية، لم نعد فقط مستخدمين للتقنية، بل شركاء في إنتاج نتائجها عبر ما يُعرف بهندسة الأوامر (Prompt Engineering).
لفهم كيف يعمل الذكاء الاصطناعي في هذا السياق، تخيّل أنك تتحدث مع موظف ذكي، سريع، لكنه لا يقرأ ما بين السطور. سيعطيك نتائج مذهلة فقط إذا كنت واضحًا، دقيقًا، ومنطقيًا في توجيهك. هذه هي قوة "هندسة الأوامر" مهارة جديدة تتطلب التفكير قبل النقر.
وكتابة الأمر الجيد هي فن في حد ذاته. تبدأ بالوضوح أن نقول للآلة ما نريده تحديدًا، لا أن نتركها تستنتج. ثم تأتي أهمية السياق، فالمعلومة المسبقة التي تُعطى للأداة تُشبه مفتاح الفهم كلما زادت دقة الخلفية والأمثلة، زادت جودة النتيجة. لا يقل أهمية أن نحدد نطاق ما تريده مثل النبرة، اللغة، المخرج النهائي. والأهم من ذلك كله، أن نحدد الدور الذي ينبغي أن تلعبه الأداة، وحتى النتائج يجب أن تُذكر بوضوح، هل نريد خارطة طريق؟ أم فكرة؟ أو تحليل رقمي؟ الطريقة التي تُبنى بها الأوامر قد تصنع الفارق بين محتوى سطحي وآخر احترافي.
في السعودية، بدأ هذا التحول يخلق موجة جديدة مثيرة، بعض المشاريع الناشئة في مجالات مثل التسويق، التعليم، والتجارة الإلكترونية، باتت تُدار بشكل جزئي عبر أدوات ذكاء اصطناعي، لكن السر في نجاحها هو طريقة استخدام هذه الأدوات، لا الأدوات نفسها.
من اللافت أن هذا التغيير لا يحتاج رأس مال، بل أسلوب تفكير. فالشخص الذي يكتب أوامر بذكاء يستطيع توفير وقت وجهد هائل، كما يمكنه توسيع دائرة إنتاجه بشكل غير مسبوق، مع الأخذ بالاعتبار أن مثل هذه المحتويات ستكون في النماذج اللغوية الضخمة التي يتم استخدامها (LLM) والتي هي مصدر لكل المعلومات وقد يتم تداول المعلومات مما يتطلب حذرا في بعض المحتوى أو الاستفسارات المطلوبة من الآلة.
جيل الأوامر الذكية لا ينتظر التقنية، بل يقودها بلغته الخاصة. وإن كان الذكاء الاصطناعي هو المحرك، فإن الطريقة التي نُحركه بها هي ما يميز شخصاً عن آخر وجيلًا عن آخر. وكل من يُتقن هذه اللغة الجديدة، يملك مفاتيح التأثير والإنتاج في عالم يعيد تعريفه بالكلمات.