على أطراف سلسلة جبال "السموكي" الواقعة بين ولايتي تينيسي وكارولاينا الشمالية، تقع مدينتا "جاتلينبرغ" و"بيجون فورج"، وهما من أبرز القصص الناجحة في تحويل مدن جبلية بسيطة إلى وجهة سياحية متكاملة، تجربة تستحق التأمل والتطبيق في المملكة، حيث توجد مواقع جبلية فريدة مثل الطائف وأبها، يمكن أن تصبح مراكز جذب سياحي عالمي إذا استلهمت العناصر المناسبة من النموذج الأمريكي وطُورت برؤية محلية.
جبال "السموكي" تمتاز بجمالها الطبيعي الآخذ، لكنها لم تعتمد على ذلك فقط! بل استُخدمت كخلفية لتجارب ترفيهية وتجارية متنوعة، وأجزم أن الطبيعة في مدننا التي تقع على جبال السروات مثل أبها، أو على سفوحها مثل الطائف أفضل تنوعاً ومناخاً، لكنها تحتاج إلى تأطير نموذج أعمال محلي جاذب.
هناك أسندت صناعة الترفيه إلى القطاع الخاص، حيث جذبت "جاتلينبريغ" متحف "صدق أو لا تصدق"، ومراكز ترفيهية تفاعلية مثل متاهة المرايا وحوض الأسماك، بالإضافة إلى مسارح صغيرة تقدم عروضاً موسيقية وفنية حية، أما في "بيجون فورج" فأسست ابنة الولاية المغنية الشهيرة "دوللي بارتون" مدينة الملاهي "دولليوود" التي تمزج بين الترفيه والموسيقى والثقافة الجبلية، ناهيك عن انتشار مطاعم محلية بديكورات مستوحاة من الحياة الريفية "الهليبيلي".
الأهم كان التركيز على مفهوم التجربة السياحية وليس مجرد الزيارة، إذ لا يذهب السياح إلى جبال السموكي فقط للتجوّل أو التخييم، بل لخوض تجربة متكاملة! إذ يتجولون في الأسواق ذات الطابع الخشبي الجبلي، ويحضرون عروضاً مسرحية أو يشاركون في معارض فنية، يركبون التلفريك ويصلون إلى إطلالات بانورامية، يزورون مزارع محلية لصناعة المربى أو الشوكولاتة أو الشموع.
في الطائف من الممكن تطوير ممشى في الهدا وآخر في الشفا بفعاليات حية ومقاهي ذات هوية محلية، وتطوير مهرجان الورد ليشمل ورش وتجارب تفاعلية كتصميم العطور، قطاف الورد، الطهي بالورد، تحويل البيوت القديمة إلى نُزل تراثية، مركز مغامرات للشباب يتضمن مسارات حبال التزحلق والمغامرات، أما في أبها، فأقترح إعادة الحياة إلى العروض الشعبية في ساحة "قرية المفتاحة"، المشابهة لعروض الكانتري في "بيجون فورج"، مسرح للقصص والأساطير الشعبية بأسلوب العروض الضوئية، مهرجانات حرفية دورية كالقط، أكواخ صخرية بطابع عسيري مشابهة للأكواخ الخشبية في السموكي.
هناك تتوفر المعلومات السياحية وفرص التخفيضات بسهولة، عبر المواقع الإلكترونية المتنوعة، وكتيبات التخفيضات في متاجر البقالة والمطاعم، وهناك العديد من الأفكار المماثلة، مثل ابتكار "جواز سفر جبال السروات"، بحيث يجمع السائح أختام التجارب والمطاعم، مما يؤهله للحصول على تخفيضات إضافية، أو ليالي فندقية مجانية.
سرّ نجاح تجربة السموكي لم يكن الإدارات المحلية وحدها، بل الشراكة النشطة مع القطاع الخاص، عبر تشجيع المستثمرين لتطوير مشاريع نوعية، تقديم حوافز لإنشاء مشاريع صغيرة في القرى الجبلية، وهو ما يمكن أن يتم عبر إطلاق مسرعات أعمال سياحية مخصصة لمدن السروات.
جبال السموكي لم تكن قبل عقود مشهورة عالمياً… لكنها أصبحت كذلك بفضل تكامل الطبيعة والهوية والاستثمار، وجبال السروات ليست أقل جمالاً أو أصالة، بل أكثر غنى وجاذبية، ولكنها بحاجة إلى تخطيط سياحي متكامل بقيادة وزارة السياحة ووزارة الاستثمار، يُفعل فيه دور القطاع الخاص ويُبنى فيه على التجربة، لا فقط الزيارة العابرة.
إذا استلهمت الطائف وأبها تجربة السموكي بنكهة سعودية، فإن المستقبل لن يقتصر على موسم الصيف، بل ستصبح السروات منصة للسياحة الجبلية المستدامة على مدار العام.