يوم الأربعاء دخلت الاتفاقية البريطانية - الفرنسية «واحد ذاهب وآخر قادم» الموقّعة قبل شهرَيْن حيز التطبيق، لإعادة مهاجر غير شرعي جاء في قارب عبر بحر المانش إلى فرنسا، والسماح لمقابل له في فرنسا بالتقدم بطلب اللجوء إلى بريطانيا إذا كان له تقرّب فيها.
الأربعاء أيضاً جاءت نتائج استطلاع الرأي مقلقة لحكومة كير ستارمر العمالية. للمرة الأولى تصل نسبة المطالبين بإغلاق كامل لأبواب الهجرة إلى بريطانيا لأي سبب إلى 45 في المائة (86 في المائة من مؤيدي حزبَي الإصلاح، والمحافظين، و27 في المائة أصوات الأحزاب اليسارية). وحسب الإحصائية يؤيد 93 في المائة من البريطانيين الترحيل الفوري لمهاجري القوارب، و44 في المائة يؤيدون ترحيل العاملين المهاجرين (بمن فيهم الشرعيون)، و39 في المائة يفضّلون ترحيل طالبي اللجوء السياسي، بل إن 26 في المائة يؤيدون ترحيل الطلاب الأجانب.
الأرقام تعكس انتشار «الزينوفوبيا» فهذا الصيف يشهد مظاهرات شعبية مناهضة لاستقبال المهاجرين غير الشرعيين، ووراء الرفض نوعية المهاجرين وثقافتهم. المتظاهرون في الوقفات الاحتجاجية أغلبهم من الأمهات والأسر والأطفال وكبار السن أمام أو بقرب الفنادق التي تستأجرها وزارة الداخلية لإيواء مهاجري القوارب، في ضواحي المدن وبلدان صغيرة في الريف. السبب، كما تقول الأمهات، أن أغلب الوافدين غير الشرعيين (قرابة 70 في المائة) شبان في سن التجنيد ومعظمهم من أفريقيا، وأفغانستان، وباكستان، أو إيران، والعراق. القوانين لا تسمح لهم بالعمل قبل البت في طلباتهم للجوء، فتُصرف لهم مخصصات نقدية (من الميزانية المخصصة للتنمية الدولية بجانب الشؤون الاجتماعية)، ويقضون الوقت يتمشّون في المنطقة المحيطة. سجلات البوليس دوّنت تحرشات بالفتيات وحوادث شغب بسبب الاختلافات الثقافية والاجتماعية للوافدين عن الحياة في بريطانيا، مما يُثير مخاوف الأسر، خصوصاً الأمهات، في الضواحي الهادئة بطبعها.
صباح الخميس احتُجزت لأول مرة مجموعة محدودة العدد من مهاجرين وصلوا بقارب، وحُرّرت مخالفات لهم بتهمة خرق قوانين الهجرة والجنسية، حسب بيان الإدارة المسؤولة المصاحب لفيديو الاحتجاز، وأنَّهم أول من سيُطبق عليهم تنفيذ الاتفاق بالترحيل إلى فرنسا. إدارة الهجرة التابعة لـ«الداخلية» ترفض ذكر الأرقام بالتحديد ولا كيف اُختيرت هذه المجموعة.
اليوم نفسه شهد وصول أكثر من 400 مهاجر بالقوارب، لكن في الأيام التي شهدت تحسناً في الأحوال الجوية تجاوز العدد اليومي 900. وبلغ عدد مهاجري القوارب 25 ألفاً و436 بنهاية الأسبوع الماضي، بزيادة 48 في المائة مقارنة بالوقت نفسه العام الماضي، و70 في المائة عن مثيله في 2023.
المحافظون وحزب الإصلاح ومعظم المعلقين يشكّكون في جدوى الاتفاقية الأنجلو-فرنسية، فمثلاً لا بد من إرسال أسماء المرشحين للترحيل إلى فرنسا ومن حقها الرفض. كما تتحمّل بريطانيا نفقات انتقال وترحيل وإقامة الذين يتم تبادلهم بين البلدَيْن، بجانب 500 مليون جنيه دفعتها البلاد في اتفاق تعاون سابق بين حكومة المحافظين وحكومة إيمانويل ماكرون في ربيع 2023 لمدة عامَين، لكن اتفق الطرفان في فبراير (شباط) هذا العام على استمراره إلى 2027، ليصل إجمالي ما دفعته بريطانيا هذا العام إلى ما يزيد على 700 مليون جنيه، بجانب المبالغ التي دفعتها بريطانيا في السنوات الـ15 الماضية التي سبقت الاتفاق الذي يستمر أقل من 11 شهراً، والتجديد بموافقة الطرفَيْن قبل 11 يونيو (حزيران) المقبل.
وبجانب أن الاتفاق لن يقلل من أعداد المهاجرين (واحد يذهب وآخر يحل محله)، فإن وزيرة الداخلية إيفيت كوبر، تجنّبت ذكر أي أرقام عمن ستتم إعادتهم إلى فرنسا، خشية أن تقيّدها الصحافة بكلماتها، واعترفت بعجزها عن تحديد الأعداد، واكتفت بالقول إن الاتفاق «سيردع المهاجرين عن المخاطرة بعبور المانش». وزير داخلية الظل، كريس فيلبس، ناقضها بذكر أن المُرحّلين يُقدّرون بـ50 أسبوعياً، يعني أقل من 6 في المائة من متوسط عدد المهاجرين غير الشرعيين الأسبوعي.
وبجانب أن 94 في المائة منهم باقون، فإن الترحيل إلى فرنسا ليس رادعاً، مثل مشروع المحافظين بترحيلهم إلى رواندا في أفريقيا، لتقديم طلبات اللجوء من هناك. ويقول فيلبس إن تخلي «العمال» عن رادع رواندا كان وراء تزايد عدد مهاجري القوارب.
ولا يتدخل بوليس الشواطئ الفرنسية إذا نزل المهاجرون المياه، فعدّل مهرّبو البشر خططهم، ولم تعد القوارب تأتي بسيارات وتنفخ بالهواء قرب الشاطئ، وإنما يظهرون فجأة في المياه الضحلة لالتقاط المهاجرين. المفاوضون البريطانيون يحاولون إقناع الفرنسيين بتعديل لائحة الإرشادات للبوليس، كي تشمل المياه الضحلة.
الانتقادات لحكومة ستارمر حول أن خططها غير عمليّة في غياب ما يردع المهاجرين، وأنها تطلق تصريحات لخلق عناوين للصحف لا تقنع المحتجين أو الرأي العام فيما ترتفع درجة «الزينوفوبيا» مع حرارة الصيف.