: آخر تحديث

ابن الجنوب يدخل القلوب

3
3
3

من بين ركام الأزمات وضباب الانسداد السياسي، كان العراق قبل سنوات يترنح على حافة هاوية، تنتظره سيناريوهات سوداء رسمها آخرون ببرود. وفي تلك اللحظة التي بدا فيها أن الأمل قد ضاع، شاءت الأقدار أن تفتح بابها لرجل خرج من بين أبناء هذه الأرض، يعرف نبضها كما يعرف ملامح كفه، ويشعر بجرحها كما يشعر الأب بألم طفله.

ذلك الرجل هو الرئيس محمد شياع السوداني، الذي تسلّم الراية قبل ثلاث سنوات ونصف، في وقت كان الوطن بأمسّ الحاجة إلى من يلمّ شتاته ويعيد له أنفاسه. لم يأتِ الرجل بشعارات فضفاضة ولا بخطب مجلجلة، بل جاء بطريقة أداء دقيقة، ولغة جسد تقول الكثير حتى قبل أن ينطق. كانت كلماته تشي بما في داخله من يقين وإصرار، وعيناه تحملان ما يشبه الخريطة السرية لمستقبل أراد له أن يكون مشرقًا. لقد فهم أن العراق لا يُبنى إلا حين تتشابك خيوط ماضيه التليد مع حاضره المزدحم بالتحديات، في اتجاه مستقبل موعود طالما حلم به أبناؤه.

ومنذ اللحظة الأولى، جعل من الأمن والتنمية والاقتصاد والاستثمار أبوابًا يدخل منها إلى قلوب العراقيين. لم تكن إنجازاته في هذه المجالات مجرد مشاريع على الورق، بل كانت خطوات عملية، تشبه الأنهار الصغيرة التي تتجمع لتصنع مجرى حياة جديدة في أرض عطشى. ومع الوقت، صار استقرار البلاد السياسي والأمني قاعدة لانطلاقة جديدة، تحرّك المصانع، وتستقطب الشركات، وتعيد الحركة إلى أيدي العمال.

لكن السوداني لم يرَ في السياسة مجرد إدارة أرقام وخطط، بل فهمها باعتبارها فن الجمع لا التفريق. رؤيته للحياة واقعية وعقلانية، تعكس خبرة رجل مرّ بمفاصل حساسة في مؤسسات الدولة منذ سقوط النظام السابق، فاكتسب من تلك التجارب الحنكة التي يحتاجها قائد يعرف أن حروب الغد ستكون إعلامية بقدر ما هي سياسية أو اقتصادية. لذلك، كان حريصًا على أن يكون الإعلام حليفًا للشفافية، ووسيلة لتصويب الأخطاء لا للتزيين الفارغ، وأن تكون الكلمة الصادقة جزءًا من منظومة الإصلاح.

ولأن الثقافة روح الشعوب، لم يغفل عن دعم الفنون والآداب، مؤكّدًا أن الإبداع لا يجب أن يخضع لمزاج الحكومات، وأن القطاع الخاص شريك ضروري في صناعة منتج فني راقٍ، بعيد عن الركود الذي أنهك الساحة لعقود. وفي السياسة الخارجية، اختار نهج النأي بالنفس عن الصراعات التي لا تخدم مصلحة العراق، مثبتًا أن الحياد المتزن يمكن أن يكون أقوى من الانحياز الأعمى.

لقد أنقذ العراق من مؤامرات كانت تتربص به، وبقي ثابتًا على إيمانه بالوحدة الوطنية والأمن القومي، رافضًا أن تنال المزايدات أو التعتيم من عزيمته. واليوم، وهو يواصل مساره، يبدو وكأنه يضع روحه على كفه، مدركًا أن قيادة العراق ليست منصبًا، بل رسالة يؤديها حتى آخر قطرة من جهده وعرقه.

لكن ما ميّزه أكثر من أي شيء، أنه كان مستعدًا لأن يضع نفسه قبل كل شيء في مواجهة الخطر، وأن يدفع من راحته وصحته وعمره ثمنًا لوطنه. لم ينظر إلى الكرسي على أنه غاية، بل على أنه أمانة ثقيلة.

اليوم، حين ننظر إلى ما تغيّر، نعرف أن الرئيس محمد شياع السوداني لم يدخل القلوب من بوابة المناصب، بل من بوابة الناس أنفسهم، لأنه ببساطة كان واحدًا منهم، يعرف وجوههم، ويفهم لغتهم، ويحمل همهم في قلبه.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.