أثار طلب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إصدار تشريع لإلغاء الطلاق الشفهي أزمة بينه وبين علماء الأزهر، الذين رأوا أن هذا الطلاق هو من الشريعة الإسلامية، بينما أيّده مفتي الجمهورية، ووقعت مواجهة شديدة بين الطرفين.
إيلاف من القاهرة: تشهد مصر أزمة سياسية ومجتمعية، بسبب زيادة معدلات الطلاق إلى نحو 40 بالمائة، خلال العام 2015، وطلب الرئيس عبد الفتاح السيسي إصدار تشريع لمنع الطلاق الشفهي، وألا يتم الاعتراف فقط إلا بالطلاق الموثق في الجهات الرسمية في حضور الزوجين.
تهديد أسري
وقال السيسي، خلال الاحتفال بعيد الشرطة، إنه صدم عندما إطلع على إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، عندما وجد أن نسبة الطلاق وصلت إلى 40 بالمائة، وقال إن "هذا الأمر يمثل تهديدًا للأسر والعائلات، وتفتيتًا لتماسكها، ويتطلب التدخل وتغيير القوانين لتجريم "الطلاق الشفهي"، واشتراط أن يكون "الطلاق مكتوبًا"، كفرصة يراجع فيها الزوجان موقفهما قبل الشروع في الطلاق الفعلي".
أظهر عدم الرضا عن أداء شيخ الأزهر في ذلك الموقف، وسأل: "أليس كذلك يا فضيلة الإمام؟، وأومأ الشيخ أحمد الطيب، شيخ الأزهر بالموافقة، وسارع السيسي بالقول: "أتعبتني يا فضيلة الإمام". وهو ما أثار ضحك الحاضرين من الوزراء ورجال الدولة.
وأثارت دعوة السيسي لمنع الطلاق الشفهي، وألا يتم الاعتراف إلا بالطلاق الذي يقع أمام المأذون الشرعي، في حضور الزوجين، الكثير من الخلاف بين علماء الأزهر، وإن كانت الغالبية العظمى منهم ترفض مطلب السيسي، وتعتبره ضد الشريعة الإسلامية.
سنّة متّبعة
وقال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر، إن الطلاق الشفهي الأصل في الشريعة الإسلامية. أضاف لـ"إيلاف" إن الدعوة إلى إلغاء الطلاق الشفهي، واشتراط أن يكون الطلاق موثقًا فقط، ليست من الشريعة الإسلامية، مشيرًا إلى أن "الأمة منذ عهد الرسول تجري الطلاق القولي".
واعتبر أن "الطلاق الموثق أمام المأذون أو القاضي الشرعي هو مجرد حفظ للحقوق، والمطالبة باعتماد الطلاق الموثق فقط، لا يوافق عليه الفقهاء العدول".
ورفض المفتي السابق علي جمعة، وهو من الشخصيات المقربة من السيسي، إلغاء الطلاق الشفهي، وقال إن "نسبة الطلاق لم ترتفع في مصر؛ بسبب الطلاق الشفهي، وإنما ارتفعت عند المأذون"، مشيرًا إلى أنها كانت 13% حسب إحصائية وزارة العدل، وأصبحت الآن 40%".
الوقوع والإثبات
أضاف خلال برنامجه "والله أعلم ": إن "هناك فرقًا بين وقوع الطلاق وإثبات الطلاق، فالوقوع يكون بقول هذا اللفظ، ويشترط فيه القصد، وليس النية. كأن يقول زوج لزوجته أثناء روايته لقصة: "جارنا إمبارح قال لزوجته: "أنت طالق"، فهنا لا يقصد أن يقول لزوجته، وإنما يروي لها قصة جاره، وبالتالي لا يقع"، مشيرًا إلى أنه يجب أن تتوافر القصدية في الطلاق.
شيخ الأزهر يرفض حظر الطلاق الشفهي... والمفتي يؤيد السيسي |
تابع: "اشتراط وقوع الطلاق بالذهاب إلى المأذون موجود بالقانون منذ عام 1931، ولم يحل المشكلة، وعدم توثيق الطلاق خلال 30 يومًا، جريمة تستوجب الحبس"، موضحًا أن دار الإفتاء تلقت 3300 سؤال عن الطلاق في العام الماضي، منها 3 حالات فقط وقع فيها الطلاق، لعدم توافر الشروط الشرعية. واستطرد: "في حالة خروج فتوى بعدم وقوع الطلاق الشفهي سنكون أضحوكة الشرق والغرب"، على حد قوله.
ليس مخوّلًا
وكتب المتحدث باسم الأزهر عبد المنعم فؤاد، مقالًا بعنوان "المأذون ليس الحل"، في جريدة "الأخبار" الحكومية، رفض فيه اقتراح السيسي، بل وهاجمه بشدة، قائلًا: "لعلم الرئيس أن الأزهر هو الذي تلجأ إليه الدولة في كُبريات القضايا الفكرية والشرعية، والتي هي من صميم تخصصه".
أضاف: "الطلاق والزواج أمر شرعي، له ضوابط وشروط، ولا تُؤخذ فيه آراء فردية، مهما كان علو كعب صاحبها، وإنما الرؤية الجماعية المؤسسية هي التي تنظر إلى القضايا الشرعية من كل جوانبها، ولا تقول إلا بما يتوافق مع الشريعة في ذلك، والدولة والمجتمع يعلمان هذا جيدًا".
حمل المتحدث باسم الأزهر بقوة على السيسي، وقال: "الأمر المطروح ليس سهلًا أن يدّعي أحد أنه هو الوحيد المعالج له، وأن رأيه سيُفرضُ بالقانون، فهذا درب من الخيال، فكما إن الزواج يتم شفهيًا بإيجاب وقبول، ثم يكون التوثيق القانوني المستحدث الآن بسبب فساد النفوس، فالطلاق الشفهي يقع أيضًا، طالما أن الزوج نطق به صراحة، وبكامل قواه العقلية، وغير مجبر، كما قرر الفقهاء، ثم يكون التوثيق للعلة السابقة نفسها؛ لضمان الحقوق".
علام مؤيدًا
تابع: "أقوال الفقهاء جاءت مفسرة ومبينة، ومحذرة من التلاعب بهذا الصرح الأسري العظيم، الذي عليه تُبنى الأمم، وإذا أُصيب الناس بتسرع في هذا الأمر، وكثر التلفظ بالطلاق، وانتشر التفكك الأسري، فمن غير اللائق أن نحصر العلاج عند الموثق فقط: (المأذون)".
على الجانب الآخر، يؤيد المفتي الحالي الدكتور شوقي علام، دعوة السيسي إلى إيقاف الطلاق الشفهي، وقال إن معظم حالات الطلاق، خاصة في سنوات الزواج الأولى، تنحصر في أن الزوجين ليسا مدركين للحقوق الزوجية التي لهما، والواجبات التي عليهما، وأنهما قد لا يدركان المسؤولية الملقاة على عاتقهما"، مشيرًا إلى أن الطلاق الشفهي يحتاج إعادة نظر عبر إصدار تشريع للتحقق منه وتوثيقه.
أضاف في تصريح له، إن "عقد الزواج يوجد بيقين، وذلك بحضور الأهل والمأذون والشهود والناس، وهذا العقد لا يرفع إلا بيقين أيضًا"، موضحًا أنه "يجب التيقن أن هذا الزوج قد تلفظ بالطلاق، وهو قاصد إنهاء العلاقة الزوجية بلفظ ونية صريحة، ولذلك لا نجيب في دار الإفتاء المصرية عن مسائل الطلاق إلا بحضور الزوج إلى الدار، للتحقق من أن هذا الزوج بالفعل قد قصد الطلاق".
تحقيق رصين
ولفت إلى أن "التطبيق القضائي يقول إن الطلاق الشفهي يقع إذا تحقق ذلك، وثبت لدى القاضي ذلك"، منوهًا بأن "دار الإفتاء يعرض عليها 3200 فتوى تقريبًا في الشهر في ما يخص مسائل الطلاق، وبعد التحقيق الرصين والدقيق ننتهي إلى أن الذي يقع من هذا العدد ما يقرب من ثلاث حالات فقط".
أضاف أن التعامل مع التراث يحتاج عقلية كبيرة، فليس كل ما يقوله العلماء نستطيع أن نستجلبه من الماضي، مشيرًا إلى أن هناك الكثير من القضايا قد تغير الحكم فيها عن الماضي، ولا بد من العقل الذي يتعامل مع التراث أن ينظر إلى تطور العصور والمجتمعات والواقع ومشكلات الناس المعقدة.
وأكد أن المذاهب الإسلامية واختلاف العلماء "رحمة بالأمة"، وهو ظاهرة إيجابية، لأن "هذا الاختلاف الفقهي له ما يبرره شرعيًا وعلميًا".
تذبذب زمني
ووفقًا لإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإن معدل الطلاق في مصر، تأرجح ما بين الثبات والانخفاض والارتفاع خلال العشرين سنة الأخيرة (1996 – 2015)، مشيرة إلى أنه استقر المعدل عند 1.2 في الألف خلال السنوات (1996 – 1999)، ثم انخفض مستقرًا عند 1.1 خلال الفترة (2000-2002).
وأضاف في دراسة عن تطور ظاهرة الطلاق خلال الـ 20 عامًا الأخيرة، أن نهاية العقد الأول ومطلع العقد الثاني شهدا أقل المعدلات، حيث وصل المعدل إلى 0.9 في الألف، منخفضًا بنسبة 25 بالمائة عن المعدل في بداية الفترة.
وأشارت إلى أن "معدل الطلاق أخذ في الارتفاع بدءًا من عام 2007، ليستقر عند 1.9 في الألف خلال الفترة (2010-2013)، ثم ارتفع مرة أخرى لتشهد السنة الأخيرة (2015) أعلى المعدلات، ووصل المعدل إلى 2.2 في الألف بزيادة 83 بالمائة عن المعدل في بداية الفترة".