إيلاف من الرباط: فجّر محمد أوجار، الوزير السابق وعضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقود الحكومة المغربية، واحدا من أقوى النقاشات السياسية خلال ندوة ناقشت "تحولات الحقل الحزبي المغربي" الأربعاء بالرباط، حين وضع "البيروقراطية الثقيلة" و"الدولة العميقة" في صلب الإشكالات التي تواجه الحكومات والمنتخبين.
ودعا إلى "إعادة توزيع السلط، وتدشين مرحلة انتقالية جديدة تواكب التحولات الدستورية والسياسية التي يشهدها المغرب بعد قرار مجلس الأمن الأخير"، إذ اعتبر أوجار أن الدولة "لا تترك مجالات كبيرة للأحزاب"، وأن اختصاصات الجماعات الترابية لا تصل حتى إلى 10% مما هو مخول لها، وأن تدبيرها يتم فعليا من طرف رجال الإدارة الترابية، وليس المنتخبين الذين يحاكمهم الرأي العام في كل محطة انتخابية.
وفي هذا السياق، قال أوجار إن "الجماعات المحلية سلطتها محدودة، وتُدار بصورة فعلية من طرف العمال والولاة (المحافظون)"، لكن اللحظة الأكثر قوة في مداخلته جاءت مع تشخيصه لطبيعة اشتغال السلطة التنفيذية، حيث قال "حين تشكل الحكومات يجد الوزير نفسه عاجزا لأنه يرث بيروقراطية ثقيلة تتحكم فيها الدولة العميقة"، ويضيف "هذا ورثناه منذ عهد إدريس البصري"، في إشارة إلى أقوى وزير داخلية في عهد الملك الراحل الحسن الثاني. وهي عبارة أثارت تفاعلا كبيرا داخل القاعة، لأنها تضع لأول مرة في نقاش أكاديمي رسمي مسؤولية التعطيل داخل جهاز الدولة نفسه، وليس فقط عند المنتخبين.
وانتقد أوجار "الصور النمطية" التي تُلصق بالمنتخبين، متسائلا "كيف يمكن لرئيس جماعة (بلدية) أن يسرق على امتداد ربع قرن من الزمن؟ من يحاسب العمال والولاة (المحافظون)؟ من يحاسب كبار الإدارات المدبّرة للمال العام؟". وأضاف إن "المحاسبة يجب أن تشمل كل مستويات السلطة، وليس فقط الحلقات الضعيفة".
وفي تحليله لمستقبل المرحلة السياسية المقبلة، دعا أوجار إلى تعديل دستوري، وسن حكامة جديدة، وفرز نخبة سياسية قادرة على مواكبة التحولات. وتابع إن "الوضع الراهن يسمح بفتح مرحلة انتقالية جديدة". وأشار القيادي في حزب "التجمع الوطني للأحرار" إلى أنه لا يمكن الاستمرار في "ديمقراطية بسرعتين"، موضحا أن الجهات الجنوبية تعرف نمطا جديدا من التدبير أشبه بالحكومة المحلية، بينما جهات مجاورة "لا يستطيع فيها رئيس الجهة أن يحمل القلم دون استشارة ممثل السلطة". وهو واقع، بحسب أوجار، يُعيق اللامركزية ويجعل مشروع الجهوية المتقدمة يعيش بنصف روح، بحسب تعبير أوجار.
وفي رصده للتحولات البنيوية داخل الأحزاب السياسية، اعتبر أوجار أن منطق التسيير الحزبي تغيّر، وبات أقرب إلى "المنطق المقاولاتي" القائم على النجاعة واستهداف فئات مهنية جديدة، موضحا أن حزبه نظم أكبر عدد من جلسات الاستماع في تاريخ المغرب، وجمع معطيات ميدانية حول اهتمامات المغاربة. كما تطرّق إلى نشأة حزب التجمع الوطني للأحرار لإحداث توازنات سياسية دقيقة.


