في عالمنا اليوم تدور رحى حروب تكنولوجية كبيرة بين الشركات العملاقة، حروب يحركها سباق محموم للتربع على عرش صناعة «الرقائق الإلكترونية» أو أشباه الموصلات التي تحتل موقعَ الصدارة في الكثير من الصناعات التكنولوجية، وهي رقائق متناهية الصغر لكن لا غنى عنها لتصنيع جميع المنتجات الإلكترونية، إذ تعد من أهم مقومات الحياة تقنياً، لما تمتاز به من كفاءة كبيرة في مجال الطاقة واستخداماتها على نطاق واسع في صناعة الأجهزة الإلكترونية كالحواسيب والهواتف والسيارات والأجهزة المنزلية ولوحات الطاقة الشمسية والترانزستورات التي تُستخدم كمفتاح في الدوائر الكهربائية.
هذا فضلاً عن أهميتها في صناعة الأسلحة والمعدات العسكرية. وتدخل في صناعة هذه الرقائق الدقيقة عدة عناصر أهمها عنصر السيليكون، لذلك جاءت أهمية وادي السيليكون الذي يعد المقر الأهم لأضخم الشركات العالمية في مجال التكنولوجيا وعصب الصناعات التكنولوجية الحديثة، كما يعد السبب في التقدم العلمي الهائل الذي وصلت إليه البشرية منذ اختراع الترانزستور الذي بدوره غيّر مجرى البشرية منذ اختراعه عام 1947.
وتكثِّف الولاياتُ المتحدةُ جهودَها ومساعيها لإعاقة تقدم الصين في صناعة الرقائق الإلكترونية التي تعتبر عنصراً جوهرياً للتجارة العالمية ومحطةً هامةً في المشروع الاقتصادي الذي تسعى الصين لتشييده بمبادرة «الحزام والطريق». ومن هنا جاءت أهمية تايوان الاقتصادية والنزاع الدائر حولها حيث تعد تايوان أحد أهم المنتجين للرقائق الإلكترونية، إذ تستحوذ شركة TSMC التايوانية لوحدها على 65% من سوق الرقائق الإلكترونية حول العالم، وهي حلقة هامة ومفصلية في صناعات أشباه الموصلات التي تعتبر أساسيةً لتقنيات الجيل الخامس الناشئة وإنترنت الأشياء والأتمتة.
وأحد أوجه الخلاف السياسي بين الصين وأميركا يتعلق بتايوان التي تعتبرها بكين إحدى مقاطعات الصين، وهو ما أكده أيضاً القرارُ رقم 2758 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1971. ومنذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949، وأميركا تحاول دعم انفصال تايوان عن «الوطن الأم» عبر استفزازات سياسية ظاهرها تجاهل التاريخ وجوهرها الهيمنة والسيطرة.
ونذكِّر هنا بزيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة نانسي بيلوسي إلى تايوان في أغسطس 2022 رغم تحذيرات الصين من عواقب الزيارة. وبعيداً عن الأهمية الاقتصادية لتايون، فإن استعادتها من جانب الصين ستسمح لبكين بالسيطرة الكاملة على الممرات الرئيسة للسفن التي تدخل وتخرج من بحر الصين الشرقي والجنوبي، مما سيحرم حلفاءَ واشنطن في المنطقة، وعلى رأسهم اليابان، من التجارة والإمدادات إلا من خلال الصين.
لا يمكن التكهن بمستقبل الصراع في نسخته التكنولوجية بين أميركا والصين حول الكنز التقني للرقائق الإلكترونية متمثلاً في تايوان، لكن الذي نعرفه جيداً أن الصين لن تتنازل عن مبدأ «الصين الواحدة»، وهو مبدأ تحدد بكين من خلاله الأصدقاءَ والأعداء، وتقيم على أساسها العلاقات والتحالفات مع دول العالَم كحق سيادي وتاريخي تؤيده دول كبرى. والذي نستطيع التكهن به هو أن أهمية الرقائق الإلكترونية لن تتراجع في خضم السباق التقني العالمي الذي يتقدم بشكل مستمر وتعتمد عليه جل الصناعات في عالمنا المتغير والمتحول بتسارع كبير، حياة رقمية أكثر تطوراً وأعلى أداءً.
حرب الرقائق الإلكترونية
مواضيع ذات صلة