: آخر تحديث

العالم سيُدار بالكود… ومن لا يبرمج يُمحى

1
1
1

في زمن تتغير فيه معادلات القوة الاقتصادية بسرعة تفوق قدرة البشر على استيعابها، لم يعد الحديث عن المستقبل رفاهية فكرية أو مجرد تخمينات خيالية، بل صار ضرورة وجودية لمن أراد البقاء على قيد التمكين.

لم نعد في عصر النفط والمعادن، بل في عصر البيانات والكود والأنظمة الذكية ومن يملك مفاتيح الصناعات القادمة، لا يحتاج أن يطرق باب أحد… فالجميع سيطرق بابه.

بحلول عام 2040، ستتغير خريطة الاقتصاد العالمي رأساً على عقب، لا بسبب الحروب أو الأوبئة أو التغير المناخي فقط، بل لأن 10 صناعات محددة ستعيد ترتيب كراسي السلطة في المسرح العالمي. وفق تقرير معهد ماكينزي العالمي، ستكون هذه الصناعات قادرة على ضخ تريليونات الدولارات من الإيرادات سنوياً، وتحديداً بدءاً من التجارة الإلكترونية التي ستقفز وحدها إلى أكثر من 20 تريليون دولار، لتتحول من مجرد رفاهية استهلاكية إلى عملاق اقتصادي متوحش، يمسك بخيوط السوق العالمي من خلف شاشات صغيرة وهواتف محمولة.

أقولها بكل وضوح: نحن ننتقل من مرحلة (الدولة القوية عسكرياً) إلى (الدولة المسيطرة رقمياً). من لا يملك موقعاً استراتيجياً على خريطة الذكاء الاصطناعي، لن يجد له مكاناً حتى في الصفوف الخلفية من المستقبل.

المرتبة الثانية في الصناعات الأكثر ربحاً ستكون لبرمجيات وخدمات الذكاء الاصطناعي بإيرادات متوقعة تفوق 4.6 تريليون دولار، ولا أتحدث هنا عن روبوتات بشوشة أو مساعدات صوتية، بل عن أنظمة قرار، تحكم، رقابة، وتوجيه عالمي، تدير المصانع والجنود والأسواق والعقول في آنٍ واحد.

خدمات السحابة الإلكترونية تليها بإيرادات تصل إلى 3.4 تريليون دولار لأنها ببساطة العمود الفقري للاقتصاد الرقمي، حيث تُخزن الأسرار الكبرى للدول، وتُدار العمليات الحساسة من خلف جدران افتراضية مشفرة. أما من لا يزال يظن أن السيارات الكهربائية هي موضة عابرة، فعليه أن يعيد حساباته فوراً، فهذه المركبات الذكية ستقود سوقاً تتجاوز عائداته 3.2 تريليون دولار بحلول 2040، لتصبح مفتاحاً للمدن الذكية ووسائل النقل النظيفة والتحكم المركزي بالبشر والحركة والطاقة.

الإعلانات الرقمية لن تكون مجرد ترويج، بل أداة توجيه سياسي واقتصادي ونفسي، وستحصد 3.2 تريليون دولار أخرى، لتتحول إلى ميدان حرب ناعم للسيطرة على الوعي والذوق العام. وما يليها من تقنيات (إنترنت الأشياء) ستحول كل جهاز وكل منزل إلى نقطة مراقبة وبيانات. كل شيء سيكون متصلاً: سيارتك، ثلاجتك، قلبك، وحتى حذاؤك.

الصناعات التي تتعلق بالسيارات ذاتية القيادة، الطباعة ثلاثية الأبعاد، الأمن السيبراني، والبطاريات الذكية، ليست ملحقات تقنية، بل هي أعمدة صلبة للبناء العالمي الجديد. ومن يفهم ما تعنيه (أمننة البيانات) و(تسليح الخوارزميات) يدرك أننا على أبواب عصر لم يعد البشر فيه هم المتحكمين المطلقين… بل أصبح الذكاء الاصطناعي هو سيد اللعبة.

أنا لا أكتب هذا المقال لتخويف أحد، بل لأضع الحقائق كما هي: الدول القادمة لا تبنى على الذهب الأسود… بل على الشيفرة والابتكار والإدراك المبكر. من لا يستثمر في هذه الصناعات العشر الآن، لن يحجز له مقعداً في قطار المستقبل حتى لو امتلك كل ثروات الأرض. كل قرش يُستثمر خارج هذه المجالات هو قرش ضائع من التاريخ.

دول كبرى ستتراجع، وأخرى صغيرة ستقفز إلى الصدارة فقط لأنها أدركت أن المستقبل لا يُنتظر… بل يُبرمج. نحن بحاجة إلى جيل لا يُفكر بمنطق الرواتب، بل بمنطق الأنظمة، لا يسأل عن فرص العمل، بل يخلقها بكتابة كود واحد قد يغيّر وجه العالم. فالقوة لم تعد في السلاح، بل في المعادلة التي تُبرمج السلاح.

2040 ليس بعيداً ومن يظن أن أمامه متسعٌ من الوقت، فليعلم أن الشركات العملاقة بدأت منذ الآن بصياغة العقود والسياسات والأنظمة التي ستحكم ذلك العام وما بعده. المعركة الآن ليست على الأرض، بل على من يمتلك خريطة العقل الرقمي للكوكب.

من لا يصنع الذكاء… سيُدار به.

ومن لا يستعد لهذه الثورة… لن يكون ضحيتها فقط، بل سيكون جزءاً من مخلفاتها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.