عبدالعزيز الكندري
«أنا لا أملك إحصائيات ولكني مستعد للمراهنة على أن كتب المستقبل لا تصل إلى واحد في المئة من كتب الماضي: الذكريات، والمذكرات، والسير الذاتية، وكتب التاريخ، وكتب البكاء على الأطلال... إلى آخر القائمة».
غازي القصيبي
العالم يتغير بصورة غير متوقعة على الإطلاق. ويقال إنه في عام 2050 سيخدم العالم أكثر من 20 مليار روبوت! وكيف سيؤثر ذلك على شكل الحياة والوظايف والعلاقات؟ وكيف سيكون شكل القيادات التي يجب أن يتم الاهتمام بها من الآن لأنها هي من سيقود المستقبل ويديره؟ هل المدارس والفصول الحالية نفسها؟ وهل المناهج تصلح لهذا المستقبل والسنوات الطويلة والمملة التي يقضيها الطالب في المدارس؟ والنهاية لا يتعلم المهارات، إذا كان الذكاء الاصطناعي، غير الكثير من المؤسسات التعليمية، فكيف سيكون دوره بالمستقبل؟
ويذكر الدكتور غازي القصيبي في كتابه المميز حياة في الإدارة: «ركزت جامعاتنا حتى الآن على مهمة تخريج الطلبه وأهملت دورين آخرين مهمين يجب أن تقوم بهما الجامعة: قيادة التقدم العلمي والفكري في البلاد، والمساهمة الفعالة النشطة في تحديث المجتمع وحل مشاكله».
لذلك وفي المستقبل القريب ستختفي وظائف كثيرة، ولكن ستبرز احتياجات ووظائف أكثر، ولكن التفاضل سيكون على حسب المهارة، فلابد من الاستعداد الجيد لهذه المرحلة القريبة، وكل الأعمال تقريباً سيؤثر عليها الذكاء الاصطناعي بشكل مباشر، حتى في الطب والاقتصاد والقانون والنشر والتوزيع، لذلك الذي سيكون جاهزاً لهذه المرحلة لن تكون لديه أي مشكلة.
نحن أمام تحديات كبيرة ولابد من الاستعداد لها وصناعة قيادات شبابية من الآن قادرة على إدارة المستقبل، وإن لم نستعد جيداً لهذا التغيير ونكون على قدر من المسؤولية سنعيش خارج حدود الزمن، وهناك دول كثيرة في العالم العربي ستتقاعد مبكراً وهناك مؤشرات ومجسّات تبيّن هذه الحقيقة، ولعل من أهمها هو الفشل الاقتصادي وإيجاد العيش الكريم وتوفير رغيف الخبز، ونشر ثقافة الكراهية والقتل على الهوية وعدم احترام حقوق وآدمية الإنسان.
وفي ظل كل المعطيات وحجم المتغيرات التي أصبحنا نشاهدها بات من الضروري إنشاء مراكز لإعداد القيادات الشبابية وفي مختلف المجالات، ويكونون قادرين على مواجهة التحديات الصعبة، وهي عملية طويلة وصناعة تحتاج منهجية تهدف إلى تطوير التفكير والفكر القيادي.
إن صناعة القيادات الشبابية القادرة على مواجهة التحديات ليست خياراً، بل ضرورة ملحة. فالاستثمار في الشباب هو استثمار في حاضر الأمة ومستقبلها والتي يضمن ديمومتها. المجتمعات التي تؤمن بقدرات شبابها، تمنحهم أدوات القيادة، وتفسح لهم المجال، هي المجتمعات الأقدر على النهوض بثقة وثبات.
وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- معلماً وقائداً ملهماً في صناعة القادة الشباب، وكان يختار لكل مهمة ما يناسبها، أرسل جيش في قيادته أسامة بن زيد وعمره 17 عاماً، وفيهم كبار الصحابة، وكان يُشرك الصحابة في التخطيط والمعارك، مثلما أخذ رأيهم في غزوات بدر وأحد والخندق.
وقد ألف أبرز خبراء القيادة البريطاني جون أدير كتاب «قيادة محمد»، حيث تناول الكتاب نموذج القيادة النبوية للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- من منظور علمي وعملي.
ويرى جون أن النمط القيادي للرسول -صلى الله عليه وسلم- كان فريداً ونادراً، فالرسول -بحسب جون- كان يمثل «القائد القدوة» الذي استحوذ على قلوب أتباعه بمجموعة من الصفات الأساسية لقائد بحجمه، كالصدق والنزاهة والتواضع.
فصدق الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأمانته قبل البعثة وبعدها وَلّدا ثقة عميقة بينه وبين أتباعه، والثقة مطلب ملح لأي نوع من العلاقات البشرية، كما أن تواضعه -عليه الصلاة والسلام- أذاب الحواجز بينه وبينهم.
عاش الرسول -صلى الله عليه وسلم- يومه بين الناس ولم يكن يوماً ما فوقهم، كان في متناول الجميع؛ مما مكنه من تكوين علاقات مباشرة مع الجميع، قائمة على الحب والعطف.