يُزرى كثير من العرب على "جامعة العرب"، ويحملونها وزر التقصير فى جمع كلمة العرب، ويرمونها بالتخاذل عن الذود عن حياض العرب، ويتهمونها بالعجز عن رد المعتدين عن أرض العرب!
وأنا أظن بهذا اللائم أو ذاك المستغيث أنه حسن النيَّة، صحيح الحميَّة إذ يستنهض جامعة العرب لأمر العرب، لكن لو قرأنا أخبار العرب قبل خمسة عشر قرنًا من الزمان لعرفنا أن جزيرة العرب كانت ملأى بقبائل من العرب الأقحاح الذين هم أنقى منا عنصرًا وأضرب عرقًا فى النسب العربي، وهم ألصق منا أرومةً بالجد العربي الأول، وأفصح منا لسانًا عربيًّا، لكن ذلك لم يجمعهم في أمة عربية واحدة مؤتلفة! بل كانوا قبائل شتى مختلفة مقتتلة، لم تُؤْوِهم مملكة عربية النسب، ولا جمعتهم دولة عربية الراية، وحين اجتمعوا في ممالك عربية كانوا متفرقي الهوى والولاء، فكان ولاؤهم فارسيًّا فى دولة مناذرة العراق، وكان الولاء روميًّا فى دولة غساسنة الشام! فهل تطمع اليوم منهم أن يصيروا أمة واحدة؟!
ولنضرب الذكر صفحًا عن أحاديث القرون الغابرينا، ولنُنْعِم النظر فيما هو آتٍ من القول: هل كان من العقل أن تبدى حكومة صاحب الجلالة البريطاني المحتل رضاها للعرب عن إقامة جامعة دول عربية وتحثهم عليها في أربعينيات القرن العشرين؟! إنَّ العقل يقول أبقهم متفرقين تأمن شرهم، لكن الخواجة الأصفر فطن أنه إذا ناداهم باسم العروبة فروا وتمزقوا كل ممزق، فيأمن ويغنم ويسلم، وفطن أنه ليست كلمة العروبة والعروبية والعربية بالتي تجمع العرب ولا جيران العرب من غير العرب، ولا هي معقد حبلهم، ولا هي الآصرة التى تشد عضد الأخ بأخيه، بل قد قرأ الماكر الأصفر خبرهم كله، فعلم أنهم إذا نُودوا بالعروبية ذهبت ريحهم وتولوا وهم معرضون، وأنهم إذا نودوا بحبل الله المتين اجتمعوا وتعاضد العربي والأعجمي فكانوا إمبراطورية عظمى لا طاقة للمحتل بها، فأراد هذا الماكر أن يقطعهم عن حبلهم الجامع العاصم الذي جمع هؤلاء الأشتات المتفرقين زمنًا طويلًا، فألهاهم بجامعة العرب! فكان المحتل أول رابح من هذه الجامعة العربية، وكان العرب أول المضارين بجامعتهم!
فيا أخا العرب، ويا جار العرب، إن كنت تلتمس جامعة تجمع شملك، وتلم شعثك، وترد عليك شتات أمرك فإنك قد خبرت هذه الجامعة ثمانين سنة فأضللت الطريق، فلتلتمس لك سبيلًا غيرها هو أقرب وأهدى وأرجى.