لا يسعني كإنسان عربي يعمل في حقول الإعلام والسياسة ببعدها العربي والإقليمي والدولي، إلا أن يخالجني شعور الفخر والامتنان، وأنا أشاهد المملكة العربية السعودية تستكمل دورها التاريخي الممتد منذ قرون في قيادة المنطقة نحو ولادة جديدة برؤية معاصرة، لتكن قطباً من أقطاب العالم الجديد، ومنارة للدبلوماسية العربية والدولية.
لا يُطمس من تاريخ المنطقة، دور الرياض المؤثر في العديد من الملفات العربية والدولية الملتهبة، التي عصفت وما زالت تعصف بغبارها لتُفقد البعض رؤية سياسية واقعية كانت مطلوبة لحفظ الشرق الأوسط وعواصمه من مشاريع وأجندات مشبوهة، لينقشع على صفاء بصيرة المملكة وقراءتها العميقة في معالجتها الساعية لتمكين مصالح المنطقة ودولها.
برجوع إلى زمن قريب، وعلى سبيل المثال لا الحصر، يُحسب إلى المملكة العربية السعودية تصديها لموجات المد السوفيتي التي كانت تستهدف استقرار الدول العربية، بل قادت حرباً غير مباشرة أدت إلى سقوط قلعة من أهم قلاع الاتحاد السوفيتي؛ أفغانستان، قبل انهياره.
إقرأ أيضاً: استراتيجية ترامب: التفاوض بالتجزئة.. وصفقات أحادية
ولا شطط في ادعاء أنَّ المملكة بسياساتها وعلاقاتها التحالفية؛ ساهمت بقدر كبير في تشكيل عالم القطب الواحد بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.
قبل عامين كتبت في قراءة استشرافية توضيحية لدور المملكة أنَّ معسكراً جديداً بدأ بالبزوغ على الساحة السياسية الدولية، وأنَّ الاصطفافات التقليدية بين المعسكرين الصيني – الروسي والأميركي – الأوروبي فقدت تأثيرها على الساحة الدولية، لتقود السعودية توجهاً اقتصادياً بمسارات سياسية متكاملة؛ بموقعها الجيوسياسي، ورؤاها الاقتصادية المتقدمة والطموحة، وقيادتها الإقليمية المنفتحة على المسرح الدولي الأوسع، استطاعت ترجمته بخلق مقدار من توازن سياسي بين دول العالم، والخروج من دائرة اصطفاف معسكراته بمبادرات ذات منطلقات عربية موحدة، في توقيت حرج سياسياً على أكثر من صعيد، كانت نتيجته المباشرة، أفول نجوم بعض الدول.. وانبلاج بعضها الآخر، ليُعاد رسم خارطة المنطقة بسعي سعودي حقيقي قائم على تصفير الصراعات بطابعها العسكري، والاتجاه نحو الاستثمار بتهيئة الفرص المستقرة من خلال بناء الدول الوطنية القادرة على حفظ شعوبها من عبث طموحات من يعيشون أوهام القوة وهيمنة التوسع.
إقرأ أيضاً: قواعد الاشتباك في الشرق الأوسط ومسارات التفاوض
الشعوب العربية اليوم ترى وتدرك جهود الدبلوماسية السعودية، من إيمان عميق برؤية وبصيرة قيادتها الحكيمة؛ فهي منارة العرب التي منحتهم أملاً حقيقياً ونوراً وسط ظلام الصراع، لترشد المنطقة برمتها إلى شواطئ التقدم والازدهار والاستقرار بإزالة أسباب الصراع المقيت بشكل جذري ونهائي.