: آخر تحديث

عصر القوة العربي يأتي من الخليج

1
1
1

ربما سيرى البعض أن هذا العنوان ينطوي على مبالغة ما، ولكن حسابات تاريخنا المعاصر، وإعادة تقييمها، ستثبت لهذا البعض أن لا مبالغة في الأمر.

وإذا ما بدأنا بتقييم الجانب السياسي بالذات (وهو الجانب الذي هيمن على تاريخنا العربي منذ عقد الخمسينات، عقد افتتاح جمال عبد الناصر لحقبة الانقلابات العسكرية عام 1952) نجد أن جميع عقود تاريخنا الماضية، التي أنفقتها الأنظمة الجمهورية (سمت نفسها أنظمة ثورية) بالحروب والانقلابات والمؤامرات المجانية، لم تكن حتى إرهاصات لقيام عصر قوة ونضوج عربي، بل حقب انكفاء وتردي وجمود وهزائم، وخاصة على الصعيد السياسي الذي كنا نأمل أن يقودنا لعصر التنوير والاستقرار والازدهار والنمو والسلام.

الحقيقة المؤسفة والمريرة، أنَّ حقبة الانقلابات وحكم العسكر، التي وصفت نفسها بالثورية والقومية (التي برعت بكيل التهم للأنظمة الملكية العربية، دول الخليج على وجه التخصيص) لم تكن سوى قعقعة (كنت أتمنى نعتها بما هو أمضى لولا أن أدبي يمنعني) خائبة على جانب الطريق.

بدأ جمال عبد الناصر (عصر العرب الذهبي!) عصر خيباتنا الكبيرة، بانقلابه العسكري، عام 1952، قبل أن يلحق به ضباط جيوش العراق واليمن وسوريا وليبيا، مدعين جميعاً بأنهم جاؤونا أخيراً، بعصر التنوير والبطولة والانتصارات و… و… وفي النهاية، وفي حسابات الحقل والبيدر، ماذا جنت شعوب جمال وصدام وحافظ وصالح والقذافي من صراخهم وشعاراتهم الرنانة، غير الخيبات والهزائم والفقر المدقع وديون المليارات الخارجية؟

هل كانت مصر ستنتهي بديون 160 مليار دولار خارجية، لو لم يقم عبد الناصر بانقلابه الصبياني وما زال الملك يحكمها؟ أقول بكل ثقة بحكمة الملوك وسمو أخلاقهم وحرصهم على سلامة شعوبهم وكرامة أوطانهم، لا وبالقطع. ونفس الحال كان سيكون في العراق وليبيا واليمن، فيما لو كان ما يزال، ملوكها الكرماء والحكماء، هم من يحكمونها ويديرون شؤون شعوبها.

وهذا ما حصل قبل أيام من ملوك وأمراء دول الخليج العربي، الذين أثبتوا لنا، عبر لقاءاتهم مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أنهم وحدهم بالفعل من يملكون حكمة وصبر ودراية تأسيس عصر ازدهار أمة العرب، مكانة وتنويراً وثقلاً، وتحويلها من أمة خانعة ومهزومة، إلى أمة فاعلة وصانعة للتأثير في الحدث والتأريخ الدوليين. وهذا هو السبيل الوحيد لاستعادة هذه الأمة لمكانتها، تنويرياً وسياسياً، تحت راية السلام والوزن الاقتصادي الفاعل والمؤثر، عقب حقبة الشعارات التي لم تجنِ منها أمتنا غير الهزائم والتهميش والنظرة الدونية والإسقاط من معادلة الحسابات الدولية الفاعلة والمؤثرة.

وكعادة الأنظمة العسكرتارية والمهزومة، وأمام شعورها بالخسارة والهزيمة أمام شعوبها، ارتفعت بعض أصوات إعلام هذه الأنظمة الناشزة بالتخطيء والتخوين واللوم، لخطوات الإنجاز، بل والانتصار المشهود، التي حققها ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان والأمير تميم والشيخ محمد بن زايد، الذين هدتهم حكمتهم ويقظة عقولهم، لتحويل الصوت والإرادة العربيين لوسيلة ضغط في محافل صناعة القرار الدولي، عبر عملية استثمار، مدروسة وحكيمة، ستعيد هذه الدول، ومن ورائها باقي الدول العربية، إلى الساحة الدولية، كفاعل سياسي مؤثر ومسموع الصوت، قبل المردود الاقتصادي الكبير الذي ستحققه تلك الاستثمارات.

وبالعودة إلى أصوات التخطيء واللوم، التي لامت الدول الثلاث على حجم استثماراتها في الولايات المتحدة الأميركية، واعتبرته نوعاً من الترضية وشراء ود الرئيس الأميركي ترامب نقول: إنَّ الدول الثلاث لم ترمِ ثروات شعوبها في العدم أو الفراغ، بل استثمرتها بحكمة وبأهم مفاصل الاقتصاد الحديث والمؤثر، التي ستزيدها قوة وفاعلية في دوائر صنع القرار الأميركي والدولي، وهذا أهم ما تحتاجه الدول العربية وقضاياها المصيرية وشؤونها السياسية التي عانت التعليق والإهمال لعقود الشعارات والمهاترات الطويلة، والتي لم نجنِ منها غير الهزائم المنكرة.

دول الخليج وثرواتها ليست مسؤولة عن تسديد ديون الأنظمة الفاشلة، التي أنفقت ثروات شعوبها على مشاريع السلب والنهب، وبناء الأرصدة والثروات الشخصية والفئوية وشراء ذمم وسائل الإعلام التهريجية، من أجل التلميع والتسقيط السياسيين. ثروات دول الخليج من حق شعوبها، وهذه الشعوب تثق بقادتها وبأنها لن تنفقها إلا فيما سيزيدها قوة ومنعة وإرادة في حمايتها وحماية سلامها وأمنها الوطنيين.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.