يقف النظام الإيراني أمام منعطف حساس وبالغ الخطورة إلى الحد الذي يمكن القول إن مستقبل النظام يتحدد من خلال ما سيجري في هذا المنعطف. وقد يخال للبعض أن البرنامج النووي الإيراني لوحده هو من قد وضع النظام أمام هكذا منعطف مصيري، بيد أن التمعن في كل ما يرتبط بالشأن الإيراني، يضعنا أمام سلسلة أمور وقضايا قادت النظام في النتيجة باتجاه هذا المنعطف.
البرنامج النووي المشبوه للنظام وسعيه المتواصل من أجل الحصول على الأسلحة النووية، وإن كان سببًا مهمًا ومؤثرًا في التأثير السلبي على النظام أمام المجتمع الدولي وجعله يعاني من عزلة دولية متفاقمة وعقوبات قاسية يئن اقتصاده من جرائها، غير أن السبب والعامل الأساسي الذي قاد النظام الإيراني إلى هذا المنعطف هو نهجه المشبوه الذي يتم رسم سياساته في ضوئه.
من أهم ما يتصف به هذا النظام، أنه يعمل دائمًا على ربط مخططاته وأموره المختلفة ببعضها بحيث يعتمد الواحد على الآخر والكل على البعض وهكذا، وإن البرنامج النووي وبرامج الصواريخ والتسليح غير العادي، قد جاء أساسًا من أجل تقوية موقف النظام من حيث دعم وترسيخ سياساته التي يتبعها في ضوء نهجه، وإن إصرار النظام في التمسك ببرنامجه النووي وبرامج الصواريخ هو لكونه يعلم بأن تخليه عن ذلك من شأنه أن يجعل النظام مكشوفًا وضعيف القدرات في التمدد المشبوه وإثارة الحروب والأزمات، ولا سيما أن قدراته في المطاولة في الحروب والمواجهات غير العادية محدودة، ولذلك فإنه يعتقد بأن حيازته للسلاح النووي سوف يمنحه قدرة أمضى، ليس للمطاولة فقط، وإنما حتى في تجنب المواجهة معه لما يمكن أن يترتب على مواجهة نووية في منطقة حساسة حيث تتشابك فيها المصالح الدولية المختلفة.
إقرأ أيضاً: لماذا يرفض العالم حيازة إيران للسلاح النووي؟
استمرار الضغوطات الأميركية، ولا سيما من حيث تشددها الزمني، ليس بذلك الأمر السهل الذي بوسع النظام الإيراني تجاهله، خصوصًا أن تصريحات وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو لقناة "فوكس نيوز"، التي قال فيها إن إيران باتت "على أعتاب امتلاك سلاح نووي"، مشددًا على أن واشنطن لن تسمح بحصول هذا الأمر، وأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب "جعل التوصل لاتفاق مع إيران أولوية قبل اختيار مسار آخر"، إلا أنه شدد على أن "عرض ترامب لإيران من أجل التوصل لاتفاق لن يستمر بلا نهاية"، يدل على أن واشنطن جادة من حيث عدم منح طهران فرصة لمراوغة أطول من اللازم وتريد بحزم إسراع الخطى باتجاه حسم الملف النووي، وهو الأمر الذي يصيب النظام بالرعب لأنه فقدانه للبرنامج النووي بعد فقدانه لنفوذه وهيمنته في لبنان وسوريا، سيجعل منه فريسة بعد أن كان مفترسًا!
غير أنَّ الملاحظة المهمة التي لا يتمكن النظام الإيراني من تجاهلها، هي أنه يعلم بضعف وهشاشة موقفه في المفاوضات مع الولايات المتحدة، ولا سيما من حيث فرض خياراته أو حتى الاشتراط النسبي، فهو لا يمتلك أي أوراق مهمة وحساسة تدعم موقفه، بل والأسوأ من ذلك أن موقف النظام في المفاوضات الجارية أشبه بسيارة تجري في طريق ذو اتجاه واحد!
إقرأ أيضاً: حلم قيادة الإسلام وعجز خامنئي
إلى الضغوط الهائلة التي تُمارس على نظام الملالي فيما يتعلق ببرنامجه النووي، ينبغي إضافة ضغط قوي آخر، وهو الضغط الذي تمارسه المقاومة الإيرانية بقيادة السيدة مريم رجوي على هذا النظام، وهو ضغط يُعتبر بالنسبة لنظام إيران شديد الإزعاج ومدمرًا للغاية.
في الآونة الأخيرة، أقرت أغلبية أعضاء الكونغرس الأميركي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي القرار رقم 166 بتوقيع 220 عضوًا، والذي يتضمن، من بين أمور أخرى، دعم خطة السيدة مريم رجوي المكونة من عشر نقاط لإيران الحرة غدًا. ويؤكد هذا القرار أن برنامج مريم رجوي يمثل خارطة طريق لمستقبل إيران بعد الإطاحة بالفاشية الدينية، ويشمل نقاطًا مثل إجراء انتخابات حرة، فصل الدين عن الدولة، إقامة نظام قضائي حديث ومستقل، إلغاء عقوبة الإعدام، وإيران حرة وخالية من السلاح النووي.
لقد أثار إقرار هذا القرار في الكونغرس الأميركي دعمًا للمقاومة الإيرانية غضبًا وعصبية شديدين لدى نظام الملالي، لدرجة أنه في اليوم الأول من نشره رسميًا، شهد ما لا يقل عن 100 انعكاس في وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية.
إقرأ أيضاً: برنامج إيران النووي: بين الخداع المستمر وضرورة المراقبة الدولية
لا شك أنَّ القرار 166 الصادر عن الكونغرس الأميركي يمكن اعتباره وثيقة مهمة في تسجيل المطالب المشروعة والعادلة للشعب الإيراني عالميًا، من أجل تجاوز نظام استبدادي وقمعي والانتقال إلى حكومة ديمقراطية تقوم على فصل الدين عن الدولة. يُعتبر هذا القرار، من الناحيتين القانونية والسياسية، إنجازًا بالغ الأهمية، وقد أصبح ممكنًا بفضل الإرادة اللافتة لأعضاء ومؤيدي المقاومة الإيرانية. وهذا بالضبط ما يُعد ثقيلًا ولا يُطاق بالنسبة إلى نظام ولاية الفقيه.