انقسمت الدول العربية على تحديد يوم العيد؛ البعض احتفل أمس، وعدد آخر اليوم، إلا أنها اتفقت جميعاً على أن تستقبل العيد برائعة أم كلثوم «يا ليلة العيد آنستينا... وجددتي الأمل فينا». والغريب أننا بعد نحو شهرين وعشرة أيام نتوافق على يوم عرفة، والكل يذهب في نفس التوقيت من كل بقاع الأرض إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج.
فلماذا لا نتوافق على كل شهور العام بالتقويم القمري؟
دعُونا الآن نتأمل سر توحدنا على رائعة أم كلثوم، تلك الأغنية التي نالها الكثير من الحكايات المختلقة، التي تتردد حتى الآن بعد مرور أكثر من 80 عاماً على ذيوعها.
الأغنية رسمياً وعلى تترات فيلم «دنانير» ستقرأ أن كاتبها هو أحمد رامي والملحن رياض السنباطي. تكرر أيضاً ذكر كل من الكاتب والملحن على «الأسطوانة» التي واكبت انتشار الأغنية. وعندما أنشدتها أم كلثوم عام 1944 في الحفل الذي أقامته الإذاعة المصرية في النادي «الأهلي» قال المذيع أيضاً إنها من تأليف رامي وتلحين السنباطي. في هذا الحفل فاجأ الملك فاروق الجميع بالحضور وأنعم على «كوكب الشرق» بوسام «الكمال».
وفي الحفل ابتهاجاً بقدوم ملك مصر أدخلت أم كلثوم تغييراً على المقطع الأخير للأغنية ليصبح «يعيش فاروق ونِحْيِيلُه ليالي العيد». وتعددت الروايات، هل فوجئت أم كلثوم بالفعل بحضور الملك ومنحها هذا الوسام، أم أن هناك من أخبرها قبلها بساعات قليلة؟ خصوصاً أنها ألقت كلمة رصينة تحيةً للملك، كان يبدو أنها قد أعدتها مسبقاً.
هذا الوسام الذي توَّج مسيرة أم كلثوم صار خنجراً طعنوها به. عندما قامت «ثورة يوليو 52» رأى بعض الضباط أنها لا يجوز أن تبث أغانيها في الإذاعة المصرية ما دامت تغنَّت لفاروق. وفي القرار نفسه أيضاً استُبعدت أغنيات عبد الوهاب للسبب نفسه، إذ أنشد «والفن مين شرَّفه غير الفاروق ورعاه»، وذلك في قصيدة بعنوان «أنشودة الفن». وتدخَّل عبد الناصر وأوقف قرار منع أم كلثوم وعبد الوهاب. ولم يُسمح بإذاعة الأغنيتين اللتين تغنتا بالملك فاروق إلا في زمن أنور السادات.
«يا ليلة العيد» من فرط نجاحها لا يزال حتى الآن يردد البعض قصصاً مختلقة حولها، قالوا مثلاً إن أم كلثوم كانت في طريقها إلى الإذاعة المصرية لتسجيل أغنية في يوم العيد فاستمعت إلى بائع ينادي على بضاعته قائلاً: «يا ليلة العيد آنستينا»، ووجدت في طريقها الشاعر بيرم التونسي والملحن الشيخ زكريا أحمد فطلبت منهما استخدام المقطع في أغنية، وبعد أن غادرا الاستوديو، جاء أحمد رامي ورياض السنباطي فطلبت منهما أن يضعا رتوشاً على نفس الأغنية، وعلى هذا الأساس فإن الأغنية طبقاً لتلك الرواية هي إنتاج مشترك بين الشاعرين بيرم ورامي، والملحنين زكريا والسنباطي.
هذا قطعاً مستبعَد تماماً، إذ كانت العلاقات بين رامي وبيرم دائماً متوترة. رامي لم يكن أبداً سعيداً بوجود بيرم على خريطة أم كلثوم منافساً له، بينما بيرم كان دائم السخرية من أغنيات رامي ويراها مُغرقة في الرومانسية.
ورغم ذلك فإن القصة المختلقة لا نزال نرددها ويعتقد البعض جازماً أنها نتاج تلاقح بين أشعار الأربعة الكبار علي خريطة أم كلثوم.
مع الزمن صارت الأغنية أهم معالم العيد في عالمنا العربي؛ فرغم أننا اختلفنا على تحديد أول أيامه فإننا اتفقنا على أن العيد لن يصبح عيداً من دون صوت أم كلثوم ورائعتها «يا ليلة العيد آنستينا».