إيلاف من الرباط: أصدرت المحكمة الدستورية المغربية قرارًا يقضي بعدم مطابقة عدد من مقتضيات مشروع قانون المسطرة المدنية للدستور، معتبرة أن هذه المواد تمس بمبادئ أساسية مثل الأمن القضائي، وضمان حقوق الدفاع، واستقلال السلطة القضائية.
وجاء القرار عقب إحالة القانون من طرف رئيس مجلس النواب راشيد الطالبي العلمي قبل إصدار الأمر بتنفيذه، مرفقًا بملاحظات من أعضاء البرلمان ورئيس الحكومة عزيز أخنوش.
ورحّبت وزارة العدل بقرار المحكمة الدستورية، معتبرة أنه يُجسد حيوية المؤسسات الدستورية ويعكس روح التفاعل الإيجابي بين السلط، في إطار سيادة القانون وحماية الحقوق والحريات.
وأكدت في بيان صحفي الأربعاء، أن احترام قرارات المحكمة الدستورية هو من صميم دولة الحق والقانون، وأن الملاحظات الواردة في القرار تشكّل قيمة مضافة للعمل التشريعي وترسيخًا لثقة المواطنين في العدالة.
وقال وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي "لا نخشى الرقابة الدستورية، بل نشجعها ونعتبرها ضمانة حقيقية لدولة القانون". وأضاف "من يشكك في دور المحكمة الدستورية، إنما يشكك في روح الديمقراطية نفسها"، معتبرا أن هذا القرار "يفتح الباب أمام نقاش قانوني رفيع المستوى ويعزز المشروع الإصلاحي للمنظومة العدالة بقوة المؤسسات".
وأبدى وهبي تعهد وزارة العدل بالعمل على تكييف المقتضيات موضوع القرار بالتنسيق مع مختلف المتدخلين، في إطار الاستمرارية التشريعية وبما يضمن تطوير المنظومة القضائية وخدمة المتقاضين.
تفاصيل المقتضيات غير الدستورية
أعلنت الحكمة الدستورية رفضها للفقرة الأولى من المادة 17، التي منحت النيابة العامة حق طلب بطلان المقررات القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به بدعوى مخالفة النظام العام، من دون تحديد حالات واضحة أو وضع ضوابط دقيقة. ورأت المحكمة أن هذا يشكل تهديدًا لمبدأ الأمن القضائي. كما اعتبرت المادة 84 (الفقرة الرابعة) غير دستورية لسماحها بتبليغ الاستدعاءات استنادًا إلى تصريحات أشخاص أو تقدير المكلف التبليغ لسنّ الساكنين مع المعني بالأمر، حيث اعتبرت المحكمة الدستورية أن هذا "يفتقر إلى اليقين القانوني ويعرض حقوق الدفاع للمساس".
وبخصوص المادة 90 (الفقرة الأخيرة)، التي نظمت حضور الأطراف عن بعد دون تحديد الشروط والضمانات التي تحمي علنية الجلسات وسرية المعطيات، اعتبرت المحكمة الدستورية أن تلك الإجراءات تتعارض مع مقتضيات الدستور حول المحاكمة العادلة. كما أعلنت أن الفقرات الأخيرة من المادتان 107 و364 غير مطابقتان للدستور بسبب "منع الأطراف من التعقيب على مستنتجات المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق"، إذ اعتبرت المحكمة ذلك يشكل إخلالًا بمبدأ التواجهية وضمانات الدفاع المكفولة دستورياً.
وبالنسبة للمادتان 408 و410 (الفقرتان الأوليان) واللتان يتم فيهما تخويل وزير العدل صلاحية "طلب إحالة القضايا إلى محكمة النقض في حالات تجاوز القضاة لاختصاصاتهم أو عند التشكك المشروع"، وهو ما اعتبرته المحكمة مساسًا باستقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية.
كما سجلت المحكمة الدستورية، أن المواد 624 و628، اللتان أسندتا تدبير النظام المعلوماتي للمحاكم إلى وزارة العدل مع الاكتفاء بالتنسيق مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، "قد يهدد مبدأ فصل السلط واستقلال القضاء".
حماية الحقوق وترسيخ الأمن القضائي
شددت المحكمة الدستورية في قرارها على ضرورة تحقيق توازن بين تحديث المساطر القضائية ومواكبة التحول الرقمي، وبين الالتزام بالمبادئ الدستورية، وفي مقدمتها استقلال السلطة القضائية وضمان حقوق الدفاع. وأكدت أن أي مقتضى قانوني يمس بهذه المبادئ يُعد غير دستوري.
وقررت المحكمة تبليغ نسخة من قرارها إلى رئيس الحكومة ورئيسي مجلسي البرلمان مع نشره في الجريدة الرسمية، مؤكدة أن المقتضيات غير الدستورية لا يمكن تنفيذها قبل تعديلها بما يتلاءم مع أحكام الدستور.