: آخر تحديث

السفير الهادئ والقوي

3
2
2

كانت بداية معرفتي بالصديق السفير سليمان الفصام، أبو طلال، في «مضافة» الصديق الراحل خالد عبداللطيف الشايع، واستمرت لقاءاتنا لسنوات عدة قبل أن تفرقنا وفاة المضيف المفاجأة، ودروب الحياة. كان أبو طلال، كما يحب أن يكنى، رجلا جادا قليل الابتسام، وقليل الكلام، وإن تحدث فبحكمة ودقة ووقار فرضتها شخصيته، وما اكتسبه تاليا من طبيعة عمله الدبلوماسي الطويل، الذي أبلى به أحسن البلاء.

بدأت مسيرة الأخ سليمان في عالم الدبلوماسية، مع انتهاء فترة تدريبه في المعهد الدبلوماسي الهندي، «سابرو هاوس»، عندما تعين في جدة، حيث كان يقع مبنى وزارة الخارجية السعودية، لتفضيل الملك فيصل لها مقرا، على العاصمة الرياض. لكن بعد سنتين صدر قرار نقله للعاصمة الأمريكية واشنطن، وبعدها انتقل للعمل قنصلا في «دبي»، وكانت تلك بداية ترقيته لمرتبة سفير، عندما نقل للعمل في اليمن الجنوبي، سفيرا لدى الجمهورية الاشتراكية، وربما كانت تجربته، التي طالت لتسع سنوات، الأكثر صخبا وطرافة في حياته الدبلوماسية، وربما الأكثر صعوبة، دون التقليل من تجربته الصعبة تاليا كسفير في الأردن، حيث عايش في اليمن فوضى الفسيفساء اليمنية بكل تفاصيلها، وعايش عن كثب خلافات زعماء الجنوب مع الشمال، ومعاركهم التي لم تنته، ولن تنتهي، ونشاط المنظمات الفلسطينية فيها، وتآمر الجميع على الجميع، في صراع المنافسة للوصول الى الحكم بين أعضاء الحزب الواحد.

بعد مرور سنتين على عمله سفيرا في دولة الفوضى والصخب، غادر أبو طلال اليمن الجنوبي، ليتسلم منصبه سفيرا لدى الاردن، وربما كانت تلك الفترة الأكثر دقة، وربما، والأكثر خطورة، في حياته الدبلوماسية، حيث كانت الحكومة، وغالبية الأردنيين، والفلسطينيين، ضد الكويت. ويتطرق السفير سليمان في مذكراته لعلاقته بالملك حسين ويصف شخصيته بدقة، وكيف نجح في السيطرة على كل المحاولات الانقلابية ضد حكمه سواء من البعثيين أو الناصريين. موقف الاردن المؤيد، تماما، للغزو ودعم صدام حسين ومؤازرته، انعكس على علاقته كسفير مع القيادة الأردنية، والشعب بالتالي، ولم يتردد الملك حسين، في لقاء بالسفراء العرب، من مقاطعة كلمة السفير سليمان، ومغادرة اللقاء، غاضبا، وغالبا بعد أن احرجته كلمته التي تضمنت ردا قويا على الادعاءات الباطلة التي يرددها الاردن.

ويشرح السفير سليمان لقاءه مع الملك حسين في 26 فبراير 1991 مع تحرير الكويت من الغزو الصدامي، وما جاء فيه من طلب «إعادة ترتيب العلاقات» بين البلدين، لكن بعدها بقليل قررت الكويت سحب سفرائها من كل دول الضد، وعلى رأسها الأردن.

* * *

مذكرات الصديق سليمان الفصام ثرية تستحق القراءة بالفعل، وإثراء للتاريخ، ومؤسف ملاحظة قلة سفراء الكويت الذين اهتموا بتدوين تجاربهم.. للتاريخ. كما أن تجربته، وغيره من السفراء، بينت أن البريق الذي يحظى به السفير، والترحيب الذي يلقاه، أينما حل، هما الجانب المشرق من الوظيفة، التي هي في الحقيقة مهنة صعبة وتتطلب الكثير من الخبرة والحذاقة، والفهم وكيفية التصرف في أصعب الظروف، فهو يمثل قائد دولته، لدى قائد دولة أخرى، ويجب بالتالي أن يوزن كل كلمة يتفوه بها، وأن يعرف متى يلتزم الصمت.


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد