خالد بن حمد المالك
في اقتباس مُتعمَّد منِّي عنونت مقالي ببيت شعر في قصيدة للشاعر المتنبي، لما يحمله من دلالات وإشارات، وكأنه يقرأ حالنا اليوم، ويتحدث عن أوجاعنا الآن، ويسبق الزمن بما آلت إليه أوضاعنا، بل وكأنه يعيش معنا متألماً وحزيناً ومهزوماً أمام حروب تتكرر ضدنا، واعتداءات لا تستثني حجراً ولا بشراً، دون أن تكون لدينا القدرة على المقاومة والتصدي للمعتدي.
* *
لقد أصبحت أراضينا في سوريا ولبنان وفلسطين مرتعاً لإسرائيل، تحتل ما تشاء منها، وتقتل من تريد، وتهدم ما تراه، والويل لمن يرمي حجارة عليها، أو يطلق مقذوفة في الهواء الطلق، أو يقترب من المواقع التي تحتلها، أو يُظهر حالة إرباك وذعر للعدو حتى ولو كان بلا سلاح، طفلاً كان أو امرأة أو شيخاً مسناً، وليس هناك ما هو أكبر من هذا الإذلال، وأسوأ من هذا التعامل الوقح الذي تقوم به إسرائيل، وهي المطمئنة بحماية أمريكا، ومنع أي إدانة أو عمل لإيقاف جرائمها، بما في ذلك ما كان قد صدر من المحاكم الدولية.
* *
الشاعر وكأنه قد تنبأ مبكراً بما نحن عليه الآن، حيث تُستباح الأراضي، وتُهدد الدول، ويُطلب من المواطنين إفراغ منازلهم ليتم مساواتها بالأرض، وإن رفضوا فسوف يكونون قتلى تحت أنقاضها، ومثل ذلك تُقصف المستشفيات والمدارس والمساجد، ولا يوجد ما هو ممنوع أو محرَّم على إسرائيل، وهي مطمئنة على أنها تعتدي على سبع جبهات، في غياب أية مقاومة، أو تصدٍّ حقيقي لعدوانها، وأن تل أبيب - كما تقول - غيَّرت الوضع في الشرق الأوسط لصالحها.
* *
يأتي العيد، كما كل عيد، وهو لا يحمل بشائر انتصار على عدو مجرم، أو أن هناك تصدياً لمحتل بغى وتجبر، فنحن مع العيد تتكرر أمامنا ذات الحال فيما مضى، وفيما نحن عليه في حالنا اليوم، دون تغيير أو تجديد، في ظل ظروف وأوضاع يتصدى فيها للمقاومة مغامرون، وبينهم من يأخذ توجهاته ممن هو في خدمة إسرائيل، وإن ظهر ادعاءً بغير ذلك، مخدوعين بدعمهم لهم بالمال والسلاح، والاكتفاء بعد ذلك بمشاهد الانكسار أمام العدو الإسرائيلي، ثم النفي بأنه لا علاقة لهم بهذه الحروب، هروباً من المسؤولية، وتجنباً من أن يلحق بهم الضرر.
* *
نحتفل بالعيد، ونردد مع المتنبي:
عيد بأية حالٍ عدت يا عيد
بما مضى أم بأمرٍ فيه تجديد
وكل منا أمام مشاهد دامية لا تعطيه فسحة كبيرة من الأمل في تصحيح هذا الوضع المؤلم، ومقاومة هذا الانهيار، طالما أن من يقرِّر الحرب والسلم هم المغامرون، وأن من يتصدى لها هم من أعطوا ظهورهم لأشقائهم العرب، وطالما غاب التخطيط والاستعداد والتوقيت المناسب، كما هو في كل الحروب مع إسرائيل، التي استثمرت الخلافات بين العرب، ونفذت منها إلى ما منحها القدرة ليكون لها التفوق في حروبها، وتوسيع احتلالاتها.
* *
أهلاً بالعيد، نستذكر فيه الأوجاع، ومعه الأخطاء، والمغامرات، والفشل، والانكسار، والدمار، والشهداء والمصابين، والمهجَّرين، والمفقودين، والنتائج التي ليست في صالحنا ولا تسر، بانتظار الآتي والقادم الذي يأبي إلا أن يكون تكراراً لما مضى، لنردد مع المتنبي (عيد بأية حال عدت يا عيد).