: آخر تحديث

جيل انتقام غزاوي قَيْدَ التشكيل

7
6
6

الصورة التي أعطتها صحيفة «الغارديان» البريطانية كامل الصفحة الأولى لعددها الصادر اليوم، الأربعاء الموافق السادس من أغسطس/ آب الجاري، تدق ناقوس خطر يُحدق بالعالم ككل، لكن أكثر الناس في مشارق الأرض ومغاربها، يتحاشى التَحديق باتساع العينين في وجه خطر هو قيَد التشكيل الآن، بما فيهم أغلب المعنيين بما يجري على أرض قطاع غزة، منذ اندلاع مآسي حرب إسرائيل بنيامين نتنياهو الوحشية، بل التي فاقت كل تصورات التوحش في حروب الزمن المعاصر، ضد الغزيين كلهم أجمعين، رداً على كارثة هجوم كتائب القسام، الذراع العسكري لحركة «حماس»، والموثق تاريخياً تحت مُسمى «طوفان الأقصى». الصورة التقطتها كاميرا الصحافي لورينزو توندو، موفد الصحيفة الذي أتاح له سلاح الطيران الملكي الأردني مرافقة إحدى رحلاته لإلقاء مساعدات غذاء، أو دواء، على جياع غزة المنتظرين رحمة السماء. اختار محرر الصفحة العنوان التالي: «من فوق... غزة تبدو كما لو أنها في اليوم التالي ليوم القيامة». عنوان فرعي آخر أعلى الصورة ذاتها يزعق حزيناً بالآتي: «يحطم القلب سماع صوت صبي يستغيث بأمه غير مدرك أنها ميتة».

غزة تحت مجهر الغارديان: الصورة التي تفضح يوم القيامة الجوي
غزة تحت مجهر الغارديان.

 

تُرى، ماذا بعد في جعبة نتنياهو، وبن غفير، وسموترتش، وباقي عصابة حقد التطرف «الصهيوديني» الأعمى- وكل الحقد أعمى القلب، من أي ثقافة كان، أو عرق، أو مُعتقَد- ماذا بقي في جعبتهم من الأحقاد يصبونها على خلطة تخليق جيل انتقام غزاوي هو قيْد التشكيل الآن، ينتظر أن ينفجر القمقم المحبوس داخله، وهو قمقم منحوت من صخور جبال جماجم أطفال ونساء وعجائز ومُسنين. عندما يحصل ذلك، فليكن الله حقاً في عون كل الذين سيواجهون غضب جيل الانتقام الآتي حتماً، ولو بعد حين.

الزمن غير المحدد أعلاه، أعطيته صفة «بعد حين» لسبب بسيط، خلاصته أن محاولة التكهن بتحديده مستحيلة، وهنا أحد مكامن الخطر الذي يشكله جيل الانتقام الغزاوي. قد ينفجر غضب هذا الجيل حتى بعد بضع سنوات من توقف محرقة الحرب الحالية، وبعدما يكون جمع كثير من ساسة العالم طفق يطمئن، معتقداً أن النسيان قد طوى فواجع ما بعد سابع أكتوبر 2023. كلا، هذا وهم كبير. بالطبع وهم النسيان هذا صحييح بشأن كِلتي الضفتين، الفلسطينية كما الإسرائيلية. بيد أن الطرف الإسرائيلي أقدر على المضي قدماً في الحياة بلا كثير التفات إلى الوراء. أسباب هكذا تفوق، إن صح اعتباره تفوقاً، متعددة، ربما في مقدمها أن تجمعات المتعاطفين مع الذي أصاب الإسرائيليين فجر يوم «طوفان الأقصى»، سوف تتداعى لإعانتهم على إعادة تأهيل المعانين صدمات ما بعد الصدمة، بمعنى التعبير الطبي:

 The After Trauma Shocks

الأرجح أن هكذا تداع، أو اهتمام، لن يتوفرا للطرف الفلسطيني، ولا امتداداته في العالمين العربي والإسلامي وخارجهما. هذا يوصلني إلى وجه آخر شديد الخطورة لجيل الانتقام الغزاوي قيد التشكيل الآن، خلاصته أن تركيبته ليست بالضرورة تضم شبان وشابات غزة فقط، ثم إن المحتمل أن يشكلوا عناصره لن يقتصروا على المتدينيين المنخرطين في صفوف حركات أو فصائل جهادية. كلا، يجب ألا يثير العجب في مقبل السنين، إذا شكلت مآسي غزة أيقونة تجذب إلى وهجها غضب جيل غاضب حول العالم كله، وبين عناصره علمانيون وبيئيون رافضون للدين ككل. عناصر من طراز كارلوس، محترف الأرهاب عن اقتناع، وليس من منطلق الانصياع لدين محدد.

هل فات أوان احتواء هكذا خطر داهم؟ لستُ أدري، بل لستُ مؤهلاً لأن أقترح إجابة. إنما، الأرجح أن أغلب المعنيين بوقف الحرب، وبطرح سيناريوهات «اليوم التالي»، غير متنبهين لخطر جيل انتقام غزاوي يتشكل الآن عالمياً. مع ذلك، آمل أنني على خطأ، وأن العكس هو الصحيح، وأن خططا توضع الآن للمباشرة في تنفيذها فور توقف الحرب على أرض غزة، بغرض الحيلولة دون انفجار قمقم المنتقمين، فلا يجري استنساخ حالات كما «الأفغان العرب»، و«الجيش الأحمر» الياباني، وتنظيم «بادر ماينهوف» الألماني، وغيرها مما توثقها سجلات تاريخ نشوء حركات الإرهاب وتطورها.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.