"لقد وضعت أمامكم الحياة والموت فاختاروا الحياة"
إنَّ الحرب الأخيرة أثبتت مرة أخرى وبكل وضوح كون أيديولوجية حماس وحزب الله والحوثيين، وفي مقدمتهم إيران الخمينية، أيديولوجية موت وخراب، وثقافتهم ثقافة هدامة لا تبالي بالمآسي الناتجة عنها وبالضحايا الأبرياء الذين يسقطون جراء خطواتها المتهورة.
يربّون أطفالهم على أن الموت في سبيل عقيدتهم المشوّهة للإسلام وللأديان الإبراهيمية يعد هدفًا ساميًا، ويرسلون شبانهم إلى ساحات الموت والقتال متذرعين بآيات وأحاديث وتعاليم دينية محرفة، وبذلك يحرِمونهم من الحياة السعيدة والمستقبل المزدهر، مما يكلف مجتمعهم ومجتمعات أخرى ثمنًا باهظًا.
وفيما يؤكد الإسلام على قدسية الحياة وضرورة حمايتها، نرى هذه الجماعات المتطرفة تخالف روح الشريعة الإسلامية، بل وتتجرد من معاني الإنسانية وتزهق الأرواح بوحشية تتناقض مع تعاليم كافة الأديان.
هذه هي ثقافة الموت التي تسترخص حياة الإنسان وتضحي به مستخدمة شعارات رنانة طنانة لا تحمل أي معنى حقيقي، مثل "الجهاد" و"إقامة الخلافة" و"الدولة الإسلامية في فلسطين والشام"، ومثل "نحن نعشق الشهادة مثلما أنتم تعشقون الحياة"، وما إلى ذلك.
وكل ذلك من أجل تحقيق مصالح هذه الفئات ومطامعها في الهيمنة والسلطة. وهذه التربية تنتج عقلية تعتبر قتل الأبرياء والخطف والاغتصاب والتمثيل بالجثث أمورًا مباحة ومشروعة، كما شهدناها في 7 من تشرين الأول (أكتوبر). وبذلك يرتكب هؤلاء وكلاء الموت جريمة ليس بحق الضحايا فحسب، بل بحق هؤلاء الشباب الذين تم غسل أدمغتهم وتحريضهم على ارتكاب هذه الفظائع.
كما أن هذه الثقافة لن تفضي إلى شيء سوى التخلف والفقر واليأس، خاصة بعد أن تخفق في تحقيق أهدافها الوهمية. وللأسف، لم يستخلص هؤلاء العبر من إخفاقاتهم السابقة ويواصلون إسقاط جيل تلو آخر في فخ مغامراتهم العبثية.
أما ثقافة الحياة، فهي تؤكد على قدسية الحياة ووجوب الحفاظ عليها، وتحرّم إزهاقها بدون وجه حق، كما جاء في قوله تعالى في القرآن الكريم:
"مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا" (المائدة 32)، وكما جاء في سورة الإسراء: "وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ".
وفي الكتاب المقدس، أوصى الرب عز وجل بني إسرائيل باختيار الحياة:
"هَا أَنَا أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ. قَدْ وَضَعْتُ أَمَامَكُمُ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ، الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَةَ. فَاخْتَارُوا الْحَيَاةَ لِتَحْيَوْا أَنْتُمْ وَنَسْلُكُمْ" (التثنية 30: 19).
إقرأ أيضاً: وقف النار بين إسرائيل وحزب الله: من الرابح ومن الخاسر؟
ويتضح من هذه الآية الكريمة أنَّ الحياة هي البركة، والموت هو اللعنة. ومع أن الرب منح الإنسان حرية الاختيار كما يُستشف من الآية، لكنه أوصاه باختيار الحياة. والحياة تعني بالمجاز العيش بهدوء وسلام والعمل على التطور والازدهار والبناء، في حين أن الموت يعني بالمجاز الخراب والهدم والانكماش والركود والانحلال.
وتنص الوصية السادسة من الوصايا العشر التي أنزلها الرب على النبي موسى عليه السلام بكلمتين وهما: "لا تقتل".
فإذًا، يجب على الإنسان أن يختار الحياة ويدافع عنها، والقتل في التوراة ممنوع البتة إلا في حالات ضرورية معينة تذكرها بالتحديد، ومنها الدفاع عن النفس.
وفي الصلوات اليهودية، يتم وصف التوراة بأنها "توراة الحياة"، أي أنها أُنزلت على الإنسان ليعيش وفقًا لتعاليمها، ولتنظم له الحياة بالشكل الصحيح الذي يسهل عليه ولا يثقل كاهله.
إقرأ أيضاً: تأثير عودة ترامب على الشرق الأوسط وإسرائيل
ولذا، نرى أن الشعوب والدول التي تبنت طريق الحياة وتقيدت بهذه الوصايا هي في الغالب شعوب ودول مزدهرة ومتقدمة يعيش فيها الإنسان بأمان وكرامة ورخاء، أما الشعوب والدول والجماعات التي اختارت طريق الموت فلم تجلب على نفسها سوى الدمار والخراب. ومع أنها قد تنجح لفترات قصيرة في الاستيلاء على مناطق وشعوب، إلا أن نهايتها محتومة وهي الزوال، كما جرى مع ألمانيا النازية واليابان الإمبريالية وغيرها.
ونرى أنه عندما قررت هذه الشعوب نبذ ثقافة الموت واعتناق ثقافة الحياة، أصبحت من أكثر الشعوب تقدمًا وازدهارًا على وجه الأرض.
وليكن ذلك عبرة للأجيال الناشئة في الدول العربية والإسلامية، حتى تتحرر من عقلية الموت والدمار، وتتّبنى ثقافة الحياة والازدهار.