: آخر تحديث
العد التنازلي بدأ:

الحوثيون ينهارون بهدوء والنهاية صيف 2027

4
4
4

في عمق كل حركة مسلحة ذات طابع أيديولوجي مغلق، يكمن توقيع غير معلن على وثيقة زوالها. ذلك أنَّ الكيانات التي تنمو في فجوات الصراع، وتنتعش تحت ظلال الانقسامات الدولية، لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية. ومَن يتأمل مسار جماعة الحوثيين في اليمن يدرك أن المشروع قد بلغ ذروته القصوى، وأن دورة الانحدار بدأت فعلياً، وإن كانت لا تزال في مراحلها الصامتة.

شتاء 2025 لن يكون مجرد فصل بارد على جبال صعدة، بل سيكون نقطة التحول الاستراتيجي التي تبدأ عندها مؤشرات الانهيار بالظهور بشكل متسارع. فالجماعة التي طالما روّجت لنفسها كقوة عقائدية متماسكة، بدأت بالفعل تواجه تحديات داخلية هيكلية تمسّ بنيتها التنظيمية ونظام ولائها الداخلي. الانقسامات بين الجناح العقائدي والجناح الاقتصادي، وصراعات النفوذ على مصادر التمويل، بدأت تتعمق وتطفو على السطح، في ظل تصاعد الشكوك والتناحر بين القيادات.

التغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة تلعب أيضاً دوراً محورياً في تضييق الخناق على هذه الجماعة. لقد بدأت القوى المؤثرة في الإقليم، مدفوعة بحسابات أمنية واستراتيجية، بإعادة تشكيل خريطة التحالفات والتفاهمات التي لم تعد ترى في بقاء الحوثيين عنصر استقرار أو توازن، بل عبئاً أمنياً وانفجاراً مؤجلاً يمتد أثره إلى الملاحة البحرية والطاقة الإقليمية والعلاقات الدولية.

إقرأ أيضاً: السومريون… أول من حبس الحرية

ولعل أبرز ما يُرصد في هذا السياق هو التحول النوعي في أدوات المواجهة. فالتحالفات الإقليمية بدأت تتجه نحو دعم سيناريو (الإنهاك المركّب) لا المواجهة الشاملة، وذلك عبر استهداف بنية الجماعة اقتصادياً، وتجفيف منابع الدعم، وتوسيع الهوة الاجتماعية بين القيادات والمجتمع المحلي. وهي سياسات تُفضي، تدريجياً، إلى تفريغ المشروع من الداخل دون الحاجة إلى مواجهة عسكرية كلاسيكية.

عام 2026 سيكون عام الانكشاف العلني. ستبدأ بوادر التفكك بالظهور جلياً من خلال اشتداد الصراع الداخلي على الموارد والنفوذ، وفقدان القدرة على فرض السيطرة الشاملة على كامل المناطق التي تهيمن عليها الجماعة حالياً. سيتعاظم دور الفصائل المتمردة داخل جسم الجماعة، وسيتراجع الخطاب العقائدي لصالح منطق المصالح الشخصية والمافيوية، ما يُفقد الجماعة جزءاً كبيراً من شرعيتها أمام مناصريها.

إضافة إلى ذلك، سيظهر جيل جديد من اليمنيين، وُلد وتربّى في بيئة خانقة من الجوع والخوف والانقطاع والعزلة، لكنه بات اليوم أكثر وعياً وأشد جرأة على مواجهة رموز القمع. هذا الجيل سيقود موجة مقاومة غير تقليدية، تتخذ أشكالاً مدنية وشعبية تتزايد زخماً مع اشتداد الانهيار الداخلي للجماعة.

إقرأ أيضاً: محارباتٌ خارجُ الزمن: من الفالكيري إلى القسديات

مع بداية صيف 2027، ستكون الجماعة قد فقدت معظم مقومات بقائها التنظيمي والسياسي. لن يكون السقوط على هيئة معركة فاصلة، بل على هيئة تفكك تدريجي تصبح فيه الجماعة مجرد ظلال متناحرة في مناطق متناثرة، يحكمها زعماء محليون بلا مشروع، ولا قاعدة اجتماعية، ولا قدرة على إدارة الفوضى التي خلقوها.

من الناحية العسكرية، ستكون الجماعة قد فقدت تماسكها المركزي، فيما تتوزع أسلحتها بين عصابات وجيوب محلية تقاتل من أجل البقاء. أما من الناحية السياسية، فستصبح مجرد ورقة محترقة لا تجد من يستخدمها دولياً أو إقليمياً، لاسيما مع اتساع تبعات تصنيفها كجماعة إرهابية ذات طابع عابر للحدود.

إن نهاية الحوثيين هي تحوّل جذري في مسار اليمن والمنطقة. هذه النهاية لن تأتي كضربة قاصمة، بل كذبول بطيء لجسد أنهكته تناقضاته، وكُشف أمام الجميع عجزه عن بناء مشروع حقيقي يتجاوز منطق السلاح والشعارات الجوفاء.

إقرأ أيضاً: أوجلان... ميلاد جديد من القيود إلى الأسطورة

اليمن الجديد لن يكون سهل الولادة، لكنه سيكون حتمياً وكل تأخير في إنهاء المشروع الحوثي هو تأخير في إعادة التوازن للعقل اليمني والمحيط الإقليمي. ومع انكشاف التوقيت المقدر لهذا الانقراض التدريجي، تبدأ مرحلة جديدة من العمل السياسي والأمني في المنطقة، تتجاوز مرحلة الحوثي، وتؤسس لمنظومة أمنية شاملة تدرك أن التطرف والانغلاق لا يمكن التعايش معهما، بل يجب احتواؤهما وإنهاؤهما قبل أن يعيدا التكرار في مكان آخر.

فصل الحوثي من التاريخ بدأ فعلياً، وسيُطوى كاملاً قبل صيف 2027… والباقي مجرد ضجيج احتضار.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف