خالد بن حمد المالك
تكررت تصريحات الرئيس الأمريكي بشأن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى المجهول، بحجج واهية، وادّعاءات غير صحيحة، تارة يقول إنها غير صالحة للعيش، وأحياناً يتحدث عن أنها مزروعة بالقنابل والمتفجِّرات، وأحياناً يظهر عاطفة غير صادقة بأنه لا يريد تعريض السكان لخطر الحرب القادمة، ومن بين تصريحاته الغريبة أنه سوف يحولها إلى ريفيرا الشرق الأوسط، وأن أمريكا سوف تمتلكها، وأحياناً أنه شخصياً من ستؤول ملكيتها إليه.
* *
هذا التسطيح في القول من رئيس أكبر دولة في العالم، متجاهلاً إدانة إسرائيل في عدوانها الذي حوَّل قطاع غزة إلى ركام غير صالح للعيش، وإلى مفجِّرات مزروعة لقتل الناس الأبرياء كان عليه أن يدين إسرائيل على أفعالها الشنيعة، لا أن يكافئها بتزويدها بالسلاح لطرد الفلسطينيين من غزة، وأن يتم إلزام تل أبيب بإعادة إعمار قطاع غزة بحكم أنها المسؤولة لا غيرها مع شركائها في تدمير القطاع، غير أن الرئيس الأمريكي تجنَّب ذلك، وصبَّ جام قراراته وغضبه وتصريحاته النارية، وجحيمه القادم على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ولو كان منصفاً لقال ما يجب أن يُقال، لا ما تريد إسرائيل أن يُقال.
* *
ومن الواضح أن الرئيس ترامب هدفه من تفريغ قطاع غزة من سكانها الفلسطينيين، وضمها إلى إسرائيل بعد أن يحولها إلى ريفيرا الشرق الأوسط، ويتكفَّل ببنائها، وفي المقابل يخلق بالتهجير أزمات خطيرة للدول التي يخطِّط لأن تكون بديلاً عن القطاع للإقامة فيها ضمن المخطَّط الذي يكرِّس الاحتلال، ويأخذ بالاعتبار تحقيق مصالح إسرائيل.
* *
الرئيس الأمريكي بهذا التوجه لا يخدم الاستقرار في المنطقة، ولا ينصف الفلسطينيين بتمكينهم من أخذ حقوقهم المشروعة، ولا يتحدث عن دولة فلسطينية، ولا ينكر أعمال إسرائيل العدوانية، ولا يدينها أو ينكر عليها حرب الإبادة التي مارستها في غزة، بل إنه وقَّع قرار تنفيذ بحق المحكمة الدولية وقضاتها لإدانتهم رئيس وزراء إسرائيل ووزير الدفاع السابق، وحمّلتهما مسؤولية حرب الإبادة، وأنه يجب إلغاء القبض عليهما ومثولهما أمام محكمة الجنايات لتأخذ العدالة مجراها.
* *
للرئيس الأمريكي ترامب مواقف جيدة وبينها تقديره للمملكة وعلاقاتها بأمريكا، وتحديداً ثناؤه على الملك سلمان وولي عهده رئيس مجلس الوزراء محمد بن سلمان، لكن حين يكون الحديث عن إسرائيل والفلسطينيين، فهنا يخرج عن طوره، وصمته، ويتجاهل حقوق الفلسطينيين، ولا يتعمَّق بالمشكلة التاريخية، معتمداً على ادّعاءات إسرائيل الكاذبة، وعلى مصادر تل أبيب التاريخية المزيَّفة، وعلى أن وجود دولة فلسطينية يعني زوال إسرائيل لاحقاً، وأن الحرب لا السلام هي التي تبقي إسرائيل دولة يهودية قوية في قلب العالم العربي باحتلالها لفلسطين منذ عام 1948م.
* *
إن ما نرجوه من الرئيس الأمريكي الذي صوَّتت له الجاليات العربية والمسلمة ليعود مرة أخرى رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، أن ينظر إلى القضية الفلسطينية بمنظار العدل والمساواة، وأن ينهي هذا النزاع التاريخي بين الفلسطينيين والإسرائيليين بتطبيق وتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بالخلافات الفلسطينية الإسرائيلية، دون انحياز لهذا الطرف أو ذاك، معتمداً على الإجماع الدولي بأن السلام لن يتحقق بالقوة والحروب، وإنما عن طريق الحوار السلمي الذي ينسجم مع التقاليد الديمقراطية التي تؤمن بها الولايات المتحدة الأمريكية.
* *
وإن فكرة تهجير أكثر من مليوني نسمة من أراضيهم، لن يكتب لها النجاح، لا بالحرب، ولا بالإغراء، فالشعب الذي ضحى على مدى أكثر من ثمانين عاماً فاقداً آلافاً من أبنائه، لن يقبل بأقل من دولة على حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية، وأي طرح يعارض تصميم الفلسطينيين وتمسكهم بحقوقهم، مآله الفشل، حتى وإن كان برعاية أكبر دولة بالعالم، طالما أنه يحرم الفلسطينيين من حقوقهم المشروعة.