سمر المقرن
أول مرة يهل الشهر الفضيل دون أمي ودعواتها وأحضانها، دون أشيائها المفضلة التي تضعها على طاولة الإفطار، بقيت كاساتها وأطباقها وملاعقها وأطقمها حزينة.
أول مرة يهل الشهر الفضيل دون من تكسو حياتي روحاً وريحاناً، دون قلبها الذي يشبه الواحة والظل الظليل وجدول الماء في هجير صحراء حياتي، دون شالها ومعطفها الذي يملك صلاحية تدفئة كل شعوب الإسكيمو والقطب ويذيب ثلوج الدنيا بأسرها، بلا كف يدها القادر على أن يطبب جراح كل المرضى والمتعبين في العالم ويخفف آلامهم، دون عينيها اللتين تشبهان السفينة التي تحمل السندباد إلى بر الأمان، دون أصابعها التي كانت تشبه عصا موسى القادرة على أن تصلح كل الأشياء المعطوبة في الكون حتى القلوب التي أنهكها الحزن مثل قلبي لغياب الجزء الأكبر من روحي عن هذه الحياة!
لن أضمها إلى صدري أو أسمع صوتها في المنزل، لن تتصل بي، لن أفطر ولن أتسحر معها مجدداً ولكن عيون من يبتهلون لها بالدعاء تفطر وتتسحر وتدعو لها بجنة نعيم.
إلى كل من فقدوا أمهاتهم أو آباءهم وهم يعلمون إحساسي جيداً، أقول جاء شهر المغفرة وهي فرصة الأجر المضاعف والدعاء بالرحمة لمن فقدناهم والتصدق وعمل الخير لهم ولعله هو السلوى.
ولكل من فقد أمه يأتي الشهر الفضيل وأمامه فرصة كبيرة لزيادة أعمال الخير وما يجلب السكينة لقلوبهم، أهمها الصبر الجميل على القضاء والانشغال بحياة يومية منظمة، والاحتفاظ بمقتنياتها إذا كانت تُشعرك بالراحة، وإخفاؤها إن كانت تسبب التوتر وتجدد الآلام والأحزان، وليس عيباً اللجوء لمعالج نفسي لتطبيب جراح الفقدان.
كما أن الانخراط في العمل الخيري وأوجه الخير خاصة في شهر رمضان، وكذلك قضاء الوقت بين باقي أفراد الأسرة الأحباب خصوصاً الإخوة والأخوات، فلو تأملت كل وجه فيهم سوف ترى حكايات طويلة عن أمك الفقيدة.
أخيراً، لا أريد أن أكسو بأحزاني على أحد في هذا الشهر الفضيل، فهو شهر البهجة والسعادة والمغفرة والرحمة والروحانيات. وأدعو الله أن يتقبل من الجميع الصيام والقيام وصالح الأعمال وأن يديم على وطننا الغالي أمنه واستقراره، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد «صانع الغد» محمد بن سلمان، فرعايتهما المستمرة للوطن والمواطن تبعث برداً وسلاما للنفوس وسط ركام الأحزان بفقدان الغاليين.
وعساكم من عواد الشهر الكريم وكل عام وأنتم بخير.