: آخر تحديث

موائد رمضانية فيها نظر

1
1
1

علي الخزيم

* قُبَيل مغرب كل يوم رمضاني (هنا) يُغلِق عُمال المحال المهنية أبوابها وينطلقون أفرادًا وجماعات إلى أقرب مسجد تطوله أرجلهم ويحتشدون جلوسًا على فرش بُسطت لهم؛ وتمتد أمامهم سُفر الطعام الذي يُنقَل عبر سيارات مطابخ ومطاعم تَم الاتفاق معها من قِبَل المحسنين وطالبي الثواب والأجر من رب غفور رحيم، وهي عادة رمضانية دأب عليها أهل الخير بحسن نية منذ عقود مضت، ولا غرابة بهذا بالنظر لما جُبِل عليه أهل الأرض والبلاد الطيبة؛ فقد كانت الحاجة والظروف تستدعي هذه المبادرات وامتد عملها حتى مع تغيّر الأحوال.

* نعم؛ كانت ظروف المعيشة ومشقة التنقل والتّرحال بين البلاد وقلة النُّزُل والمطاعم تدفع المحسنين وذوي الهمم والأنفس الكريمة لإعداد أطعمة مناسبة للغرباء والعابرين خلال الديار؛ وللفقراء والمساكين ممن تعوزهم الحاجة وتدفعهم الفاقة لطلب ما تيسر من طعام دون النظر لمقداره وصنفه، ولأن حب الخير دائم ما دامت السماوات والأرض وإن تفاوتت النِّسَب والمفاهيم فقد دأب الناس على تلك العادة مَبعثها حُب الخير وتأصُّل الكرم والإيثار إرثًا طيبًا من الأجداد، وانتشرت بين الأقطار الإسلامية.

* ومع تغيّر أحوال الناس وتبدل الواقع ومَآلات الأشياء: كان لا بُدَّ من تَحوّل النَّظرة لمُجريات وتدابير هذه العادة لتفطير الصائمين بالشهر الكريم، فلم يَعُد المفطرون أمام المساجد الآن هم أولئك الغُرباء أو العابرون؛ ولم يكونوا أولئك الفقراء والمساكين والمُتعَفّفين! فَمَن هُم إذًا؟! هم القادمون بتأشيرة عمل ومِهن متفرقة متعددة كل منهم بصنعته وفنّه؛ لهم مرتبات ولهم (بالغالب) مُقابل معيشة وسكن؛ والأكثرية العظمى منهم يعملون لأنفسهم ويَجنُون مكاسب طائلة ولا يخسرون سوى النَّزر اليسير من مكاسبهم؛ وجُل الدَّخْل يتم تحويله لحسابات ببلادهم، تراهم بأجسام رياضية ووجوه ممتلئة بالعافية وأعين سَلِيطة لا تُوحي بالمَسْكَنة.

* بعد التهام ما لّذّ وطاب من مائدة الإفطار: البعض منهم (وليس الكُل) يملأ كيسًا ـ قد جَلَبه معه ـ بالفواكه والألبان والعصائر وعبوات ماء الشرب ثم يُشعل سيجارته ويُولِّي الأدبار بلا صلاة ولا شكر لله ولا لِمَن مَدَّ له مِن الإفطار مَدَّا، وبعد قليل يتوجه كل منهم لمَحله ودكانه ومَشغَله وأوّل مَن يَبْتَز ويُغالي مَعه بأسعاره يكون مَن بسط له السّفرة أو مَن صَنَعَت له أطباق المائدة، أقول ـ غير حانث بعون الله ـ إن الأغلبية على هذه الشاكلة بل مِنهم من يتجاوز إلى أعظم من ذلك من أعمال ليس مجال التّحدث عنها بهذه الأسطر.

* أود أن ألفِت إلى أن موافقة خادم الحرمين الشريفين ـ أيده الله ـ قد صدرت قُبَيل الشهر الفضيل لتنفيذ برنامج هدية التمور (أكثر من 700 طن) المُقدمة من المملكة ـ أعزها الله ـ خلال رمضان المبارك لتوزع بين أكثر من مئة دولة؛ وهذا في إطار الواجب الذي تنتهجه قيادتنا الحكيمة ومملكتنا الغالية لتحقيق رسالتها لخدمة الإسلام والمسلمين، ونشر قِيَم ومبادئ الدين الإسلامي والتصدي للكراهية والغلو والتطرف، وأجِد بهذا العمل الجليل مؤشرا ولَفْتَة لطيفة إلى أهمية حُسن العمل بالصّدقات والأعمال الخيرية لتصل للمستحقين المحتاجين لها دون ارتجال يخالطه سوء التخطيط؛ والبذل لغير أهله.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد