: آخر تحديث

لحظة سورية تاريخية وفارقة

3
4
2

رامي الخليفة العلي

في لحظة تاريخية حاسمة، أظهرت سوريا للعالم بأسره، أن وحدتها الوطنية هي السد المنيع أمام كل المؤامرات ومحاولات التقسيم. حين سعت قوى الظلام سواء فلول نظام الأسد أو الميليشيات المنتشرة في المنطقة وكذا دول المنطقة التي لا تخفي رغبتها في إعادة سوريا إلى حالة الفوضى وإلى تمزيق النسيج الاجتماعي عبر إذكاء نيران الفتنة الطائفية، ارتفعت سوريا فوق الجراح، وصمدت بشموخ بفضل دماء أبنائها التي روت أرضها الطاهرة. تلك الدماء لم تكن مجرد تضحيات، بل كانت نداءً صارخًا لكل السوريين كي يلتفوا حول وطنهم، بعيدًا عن الانقسامات المصطنعة والولاءات الضيقة. إن القوى الأمنية والعسكرية التي واجهت قوى الغدر والانقلاب لم تكن مجرد أدوات للقتال، بل جسدت رمز السيادة وحامي الأرض والشعب. في المقابل، فإن الفصائل التي خرجت عن السيطرة وساهمت في إشعال نار الفوضى، وسواء بشكل واعٍ أو بشكل غير واعٍ، فإنها لم تكن إلا أذرعًا لأجندات خارجية تلاقت مع الفلول، حيث يعمل هؤلاء من أجل تفكيك البلاد. لذلك، فإن إعادة بناء جيش وطني موحد، يضم كل الطاقات تحت رايته، بات ضرورة ملحة. وهذا ما عكسه الاتفاق الأخير الذي أفضى إلى دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ضمن صفوف الجيش، ليؤكد أن السلاح يجب أن يُوجَّه إلى العدو الحقيقي، لا إلى صدور أبناء الوطن. لقد حاول البعض استغلال التنوع السوري لإشعال الفتن، لكنه أثبت أي هذا التنوع في النهاية أنه أحد أعظم نقاط القوة في البلاد. الكردي والعربي، السرياني والآشوري، العلوي والدرزي، وكل مكونات الشعب السوري، أثبتوا أنهم ليسوا إلا خيوطًا متماسكة في نسيج الوطن الواحد. فالضحايا الذين سقطوا دفاعًا عن وحدة البلاد لم تذهب دماؤهم هدرًا، بل كانوا الشعلة التي أنارت الطريق نحو مستقبل أكثر تلاحمًا. إرادة الحياة التي تسري في عروق سوريا كانت وستظل أقوى من كل المؤامرات. رغم المحاولات المستميتة لإغراقها في مستنقع الفوضى، استطاعت سوريا أن تنهض مجددًا، لترسم ملامح فصل جديد من الصمود والعزة. القيادة المسؤولة التي أظهرها الرئيس أحمد الشرع والقائد عبدي مظلوم في لحظة الأزمة جسّدت نموذجًا فريدًا في الحنكة السياسية، حيث اختارا نهج الحوار والتفاهم بدلاً من التصعيد، وأثبتا أن القرارات المصيرية تحتاج إلى قادة بحجم الوطن. الاتفاق الذي جمع بين الشرع مظلوم عبدي لم يكن مجرد خطوة سياسية، بل رسالة واضحة للعالم أجمع: سوريا لن تنكسر. أبناؤها قادرون على تجاوز خلافاتهم وحل مشاكلهم بأنفسهم، بعيدًا عن أي تدخل خارجي يهدف إلى تفتيت البلاد. غير أن هذا الاتفاق ليس نهاية الطريق، بل بداية جديدة تمهد لمستقبل أكثر إشراقًا. إنه مستقبل تُبنى فيه دولة قوية عادلة، تحتضن جميع أبنائها دون استثناء، وتعوضهم عن سنوات الحرب والدمار، لتعود شامخة من جديد، رمزًا للصمود والوحدة في وجه كل التحديات.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد