انهيار نظام عائلة الأسد في سوريا بعد 54 عامًا من الدكتاتورية أحدث هزة أرضية كبرى في الشرق الأوسط، ستكون لها بلا شك هزات ارتدادية تؤثر بدورها على المنطقة برمتها، وربما على الصعيد العالمي أيضًا.
أما بالنسبة إلى إسرائيل، فيحمل هذا الحدث التاريخي في طياته فرصًا لتحسين وضعها الاستراتيجي في المنطقة إلى جانب مخاطر قد تضطر إلى التعامل معها.
من السابق لأوانه التنبؤ في هذه المرحلة بما إذا كان سيتبلور في سوريا حكم مركزي قوي ومستقر يسيطر على معظم الأراضي السورية، أو سينقسم هذا البلد إلى دويلات أو مناطق نفوذ أجنبي ستكون في حالة حرب وصراع مستمر فيما بينها. وعلى صانعي السياسة الإسرائيليين أخذ كل السيناريوهات المحتملة بعين الاعتبار. لذا، قامت إسرائيل باتخاذ إجراءات احترازية لضمان أمنها، ومنها بسط السيطرة على المنطقة العازلة التي تم إنشاؤها في الجولان عام 1974 في إطار اتفاقية فض الاشتباك، وقصف منشآت الجيش السوري المنهار لمنع سقوط الوسائل القتالية الفتاكة، بما فيها مخزونه من الأسلحة الكيماوية والصواريخ، بأيدي مجموعات وفصائل متطرفة وغير مسؤولة.
وعلى هذا الصعيد، فقد أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنَّ الجولان هو جزء لا يتجزأ من إسرائيل، أما المنطقة العازلة ومناطق سورية أخرى فستخضع للسيطرة الأمنية الإسرائيلية إلى حين ينقشع الضباب حول مسألة الجهة التي ستحكم سوريا.
ما من شكّ في أنَّ سقوط نظام الأسد سدد ضربة شديدة لإيران ولمحور "الممانعة" أو محور الشر، وكسر شوكة هذا المحور. إنَّ انسحاب القوات الإيرانية من سوريا وسد الطريق أمامها لتزويد حزب الله في لبنان بالأسلحة والعتاد العسكري عن طريق البر السوري يُعد مكسبًا كبيرًا لإسرائيل. كما أنَّ وقف إمداد حزب الله بالأسلحة والعتاد العسكري سيؤدي في نهاية الأمر إلى تراجعه كقوة عسكرية مسيطرة، ومن شأنه أن يعيد السيادة للدولة اللبنانية. وعلى الساحة الفلسطينية، يزيد التراجع الإيراني من عزل حركة حماس، الأمر الذي من شأنه أن يفسح المجال أمام إنهاء الحرب في القطاع وإعادة الرهائن الإسرائيليين واستبدال حكم حماس بحكم آخر أكثر اعتدالًا.
من ناحية أخرى، يشكل الدعم التركي لهيئة تحرير الشام، وهي الفصيل الأكبر والأقوى من بين فصائل الثوار، مصدر قلق لإسرائيل التي تعتبر تركيا برئاسة رجب طيب أردوغان جهة معادية لا يمكن الاعتماد عليها. لذا، يُرجح أن تتخذ إسرائيل إجراءات الحيطة والحذر تجاه أي تقدم لعناصر هذه الهيئة نحو حدودها.
إقرأ أيضاً: وقف النار بين إسرائيل وحزب الله: من الرابح ومن الخاسر؟
أما بالنسبة إلى القوى السورية الأخرى، فمن المرجح أن تقوم إسرائيل بالتعاون مع الولايات المتحدة بتقديم المساعدة لبعضها، مثل الأكراد والدروز، لتحافظ على التوازن بينها وبين القوى الإسلامية الجهادية.
وعلى الصعيد الشرق أوسطي، لا شك في أنَّ الثورة في سوريا قلبت موازين القوة، حيث تراجع النفوذ الإيراني والروسي. إلا أنَّ هناك خطرًا يكمن في احتمال قيام طهران بتكثيف مساعيها لزعزعة استقرار أنظمة أخرى في المنطقة لتعويض فقدان موطئ قدم لها في سوريا. وهذا الأمر يتطلب أيضًا الانتباه من قبل الدول المعنية ومن قبل الولايات المتحدة. كما أن هناك خطرًا من إقدام إيران على تسريع وتيرة إنجاز مشروعها النووي لتعويض الانتكاسة التي تكبدتها في سوريا.
لذا، يجب على الدول المعنية، بما فيها إسرائيل والولايات المتحدة، اتخاذ خطوات لمنع جعل سوريا منصة لقوى أصولية متطرفة تبث القلاقل في الدول المجاورة.
إقرأ أيضاً: تأثير عودة ترامب على الشرق الأوسط وإسرائيل
ونظرًا لهذه الاحتمالات، أعتقد أن ما نراه خلال الفترة القادمة هو مساعٍ من جانب الدول المعتدلة في المنطقة وإسرائيل والولايات المتحدة لتوطيد التنسيق والتعاون في ما بينها بالنسبة إلى التطورات في المنطقة. أما في ما يتعلق بإنشاء حلف إقليمي رسميًا وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، فإنَّ هذا الأمر منوط، باعتقادي، بإيجاد حل مُرضٍ يتيح وضع حد للحرب في غزة ويفسح المجال للتفاوض مع جهة فلسطينية مسؤولة، إذ لا يمكن للدول العربية المعتدلة أن تتخذ خطوات نحو التطبيع دون حصول تقدم على هذا المضمار.
ومع كل ذلك، فإنَّ الأيام حبلى بالمفاجآت، كما شاهدنا في الحدث الأخير في سوريا، ومن الصعب التنبؤ بما سيحدث.