في عصر الإعلام الرقمي، باتت البرامج الترفيهية تشكل جزءاً مهماً من المحتوى الموجه للجماهير. أحد أبرز هذه البرامج هو "قسمة ونصيب"، الذي يُبث عبر منصة يوتيوب، حيث حقق نجاحاً جماهيرياً ملحوظاً. ومع ذلك، أثار البرنامج جدلاً واسعاً، خاصة في موسمه الثاني، بسبب ما اعتبره الكثيرون إساءة للقيم الثقافية العربية وتجاوزاً للحدود الأخلاقية.
"قسمة ونصيب" برنامج يضفي بإطلالتها المتفردة سحراً خاصاً يجذب الأنظار. تدور فكرة البرنامج حول العلاقات الإنسانية والاجتماعية، حيث يجمع بين مجموعة من الشباب والشابات من مختلف الدول العربية بهدف بناء علاقات شخصية، قد تنتهي بالزواج أو بالفوز بجائزة مالية قيمتها 30 ألف دولار.
في موسمه الأول، وصل عدد حلقات البرنامج إلى مئة حلقة، مدة كل منها ساعتان، ما جعله من أطول البرامج الحوارية التي تبث على يوتيوب. أما موسمه الثاني، فقد عاد بأسلوب أكثر جرأة وإثارة، مع التركيز على مشاهد خلف الكواليس التي أثارت الكثير من الانتقادات. ورغم ذلك، حصد البرنامج مشاهدات تجاوزت أربعة ملايين مشاهدة لبعض الحلقات، ما جعله حديث وسائل التواصل الاجتماعي ومادة دسمة للنقاش.
رغم الانتشار الكبير الذي حققه البرنامج، إلا أن المحتوى قوبل بانتقادات شديدة من جمهور واسع اعتبر أن البرنامج يروج للتفاهة والإساءة للهوية الثقافية العربية. تضمنت الحلقات مشاهد وصفها البعض بأنها "خادشة للحياء" و"غير لائقة"، حيث ظهرت المشاركات في أوضاع وتصرفات تتنافى مع التقاليد العربية الأصيلة.
هل النجاح الجماهيري يبرر تجاوز القيم الثقافية والاجتماعية؟ يرى منتقدو البرنامج أن تحقيق الانتشار لا ينبغي أن يكون على حساب الهوية العربية والقيم التي تسعى المجتمعات للحفاظ عليها. فالجرأة في الطرح، وإن كانت جزءاً من الإبداع، لا تعني تخطي الحدود الأخلاقية التي تحترم الجمهور.
لا يمكن إنكار أن "قسمة ونصيب" هو مشروع تجاري رابح للقائمين عليه. فقد استطاع أن يجذب أعداداً هائلة من المشاهدين، خاصة من فئة الشباب، وهو ما يترجم إلى أرباح مالية كبيرة من خلال المشاهدات والرعاية الإعلانية. ومع ذلك، يرى الكثيرون أن البرنامج يفتقر إلى القيمة الحقيقية، حيث يعتمد بشكل رئيسي على إثارة المشاعر والتشويق، بدلاً من تقديم محتوى هادف أو رسالة إنسانية.
من جهته، دافع فريق إنتاج البرنامج عن محتواه، مشيراً إلى أن الهدف الرئيسي هو تسليط الضوء على قضايا اجتماعية واقعية بأسلوب معاصر يجذب انتباه الجمهور، خاصة الشباب. وأكد صنّاع البرنامج أنّ الجرأة في الطرح ليست بالضرورة إساءة، بل هي وسيلة لإثارة النقاش حول موضوعات غالباً ما تكون مسكوتاً عنها.
إقرأ أيضاً: سقوط الطاغية وبزوغ شمس الحرية
لكن هذه الحجج لم تقنع شريحة واسعة من المشاهدين الذين يرون أن البرنامج تجاوز حدود الجرأة إلى الإسفاف. فبدلاً من فتح نقاشات بناءة حول العلاقات الإنسانية والاجتماعية، تحول إلى منصة لتكريس علاقات سطحية لا تعكس الواقع، بل تستغل المشاعر لتحقيق أرباح مادية.
برنامج "قسمة ونصيب" يثير قضية أعمق تتعلق بالحدود بين الإبداع الإعلامي والمسؤولية الثقافية. ففي ظل انتشار برامج الترفيه التي تسعى لتحقيق نسب مشاهدة مرتفعة، يظهر تحدٍّ واضح في تحقيق توازن بين تقديم محتوى مبتكر واحترام القيم الثقافية للمجتمع.
يرى بعض النقاد أن البرنامج لم ينجح في تحقيق هذا التوازن، حيث أن الشعارات التي يرفعها، مثل تعزيز العلاقات الإنسانية، تبدو مجرد غطاء لتقديم محتوى مثير للجدل يهدف لجذب المشاهدات. وفي المقابل، يرى آخرون أن حرية الإبداع تتطلب الجرأة، لكن يجب أن تبقى ضمن إطار يحترم الجمهور وثقافته.
إقرأ أيضاً: تساؤلات في واقعنا العربي
برنامج "قسمة ونصيب" في موسمه الثاني يقدم نموذجاً مثيراً للجدل في صناعة الإعلام الرقمي. فقد استطاع أن يجذب جمهوراً واسعاً بفضل فكرته الجريئة، لكنه دفع ثمناً باهظاً على مستوى رصيده الأخلاقي. يُبرز هذا الجدل الحاجة إلى إعادة النظر في معايير البرامج الترفيهية، بحيث تكون قادرة على تحقيق النجاح الجماهيري دون المساس بالقيم الثقافية والاجتماعية.
الإجابة تتطلب تغييراً في طريقة التفكير لدى صناع المحتوى. فالإعلام الناجح هو الذي يوازن بين الابتكار والاحترام، ويقدم محتوى يثري ثقافة المجتمع بدلاً من أن يكون مجرد وسيلة للربح. "قسمة ونصيب" نموذج لبرنامج يمكن أن يكون أفضل إذا أعاد النظر في أولوياته ورسائله، ليصبح أداة فعالة للتغيير الإيجابي بدلاً من أن يكون مصدراً للجدل والإثارة.