: آخر تحديث

إرهاب الحوثي والذاكرة الإماراتية

2
2
2

السابع عشر من كانون الثاني (يناير) عام 2022 ليس كغيره من الأيام في الوعي الجمعي الإماراتي، فقد عاشت دولتنا في هذا اليوم حدثاً لم يخلف آثاراً سلبية كبيرة أو يحقق أهدافه كما كان مخطط له، ولكنه علمنا درساً لن ننساه في الوطنية والولاء والانتماء والالتفاف حول قيادتنا الرشيدة. ففي هذا اليوم الذي شهد أول هجوم عسكري تتعرض له أراضي دولة الإمارات، حينما شنت جماعة الحوثي اليمنية هجوماً بالمسيرات أسفر عن حريق وانفجار صهاريج وقود بمنطقة "المصفح" بالقرب من خزانات شركة "أدنوك"، كما أسفر عن اندلاع حريق بسيط بمنطقة بناء بمطار أبوظبي الدولي، ما تسبب في مقتل ثلاثة أشخاص أجانب وإصابة ستة آخرين، في حادث أظهر الشعور الوطني والتضامن والوحدة الوطنية في أروع صورة ممكنة، كما تجسدت فيه حكمة القيادة الرشيدة وقوة الروابط التي تجمعها بمواطنيها، الذين التفوا حول موقف القيادة داعمين ومؤيدين لها في مشهد وحدوي تألفه الإمارات التي تعرف جيداً معاني الوحدة بين أبناء الوطن وتأثيرها ودورها في حماية مكتسبات الدولة وصون أمنها الوطني.

جريمة الحوثي المتمثلة في محاولة الاعتداء على منشآت حيوية بالإمارات كانت درساً لن تنساه الإمارات بمختلف أجيالها، ليس فقط لكونه أول هجوم على أراضينا منذ تأسيس الدولة على يد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في الثاني من ديسمبر عام 1971، بل لأن هذا العمل الإجرامي يعد من الأثمان الباهظة التي دفعتها دولتنا ـ جنباً إلى جنب مع تضحيات شهدائنا البواسل ـ خلال رحلة الدفاع عن المبادىء والقيم وحماية شعب اليمن الشقيق من تغول ميلشيا الحوثي الإجرامية.

استهداف الإمارات بالمسيرات الحوثية سيبقى ـ رغم محدودية تأثيره عملياتياً وفعلياً ـ نقطة لا تنسي في الذاكرة الإماراتية، ليس لحجمها وخسائرها كما أسلفنا ولكن لأنها تمثل درساً للأجيال القادمة بالثمن المحتمل للدفاع عن المبادىء والقيم الانسانية والحضارية، وهو بالمناسبة ثمن يرافق الإمارات في عملها ومسيرتها الحضارية ولنا في الحملات الاعلامية التحريضية وأبواق الكراهية والحقد والضغينة التي تبث سمومها ضد الإمارات عبر منصات مختلفة المثال الأبرز على ما يمكن أن تتحمله الدول والشعوب في سبيل القيام بما تراه حقاً وواجباً انسانياً يتوافق مع قيمها ومبادئها حتى وإن اختلفت في ذلك مع الكارهين والحاقدين.

وقد كتبت وقتذاك الكثير من المقالات محذراً ومنذراً العالم من خطر التغاضي والتغافل عن خطر هذه الميلشيا واحتمالية تكرار جرائمها الآثمة حتى أنني أذكر أن توقعت أن يكرر الحوثي هذا السيناريو الإجرامي ضد دولة إسرائيل التي لم تكن وقتذاك هدفاً مطروحاً على أجندة عمل هذه الجماعة الإرهابية، وقلت وقتذاك أن "مناقشة فرضية استهداف دولة اسرائيل من جانب ميلشيا الحوثي لا يمثل إغراقاً في الخيال التحليلي بالنظر إلى اعتبارات عدة أولها أن التحالف الأيديولوجي المسمى بـ "محور المقاومة" الذي يجمع الميليشيات المتفرقة في منطقة الشرق الأوسط، يدفع هذه الأذرع الميلشياوية الإرهابية إلى تقديم دعم متبادل  لبعضها البعض في حالات معينة يخضع تقديرها وتحديدها لرؤية وقرارات الطرف الممول الذي هو ذاته الراعي الرئيسي لهذه الفصائل جميعها". 

تذكرت هذا النقاش وأنا أتابع تصاعد الهجمات الحوثية ضد دولة إسرائيل مؤخراً، وأقول لو أن العالم استمع لنصائح دولة الإمارات وتحذيراتها من الصمت على جرائم الحوثي الإرهابية، وهو بالمناسبة صمت بلغ مرحلة "التدليل" برفع اسم الجماعة من قائمة الارهاب الأمريكية في خطأ استراتيجي بالغ لإدارة الرئيس بايدن ما لبثت أن دفعت الولايات المتحدة نفسها ثمنه بعد ذلك غالياً.

الدرس الأهم الذي تعلمناه في دولة الإمارات من أحداث السابع عشر من يناير عام 2022 هو سلامة وصلابة الموقف الإماراتي في مواجهة التطرف والارهاب، وعمق الالتزام الإماراتي بمواصلة العمل على تحقيق الأمن والاستقرار الاقليمي، وإظهار قدرة الدولة في مواجهة محاولات زعزعة الاستقرار من خلال تماسك الصف الوطني وقوة ومتانة الاقتصاد الإماراتي الذي لم يتأثر قيد أنملة بمثل هذه الحدث العابر.

ثمة دروس أخرى أفرزها هذا العمل الإجرامي أولها خطورة ارتهان الامن والاستقرار في الشرق الأوسط لسلوك مجموعة من الميلشيات الإرهابية والأذرع الطائفية العاملة بالوكالة، وأهمية كشف علاقات الارتباط أو ما وصفته بالزواج السري بين الميلشيات ومموليها وداعميها والتصدي لكل ذلك بكل صراحة ووضوح. ورغم المواقف الدولية والاقليمية الداعمة لدولة الامارات في مواجهة الاجرام الحوثي عقب هذه الأحداث، فإن تهديدات الحوثي قد استمرت حتى بلغت ذروتها من خلال التدخل في أزمة قطاع غزة وتحويل البحر الأحمر إلى ممر بحري غير آمن للكثير من شركات النقل والتجارة الدولية!

الموضوعية تقتضي القول أن الحوثيين بهجومهم على منشآت حيوية داخل الإمارات وقبلها السعودية لم يتركوا لأحد خياراً في مواجهة خطرهم المستمر، لاسيما أن مسألة تهديد أمن ممر بحري حيوي كمضيق باب المندب ليست أمراً يمكن غض الطرف عنه، ولا يمكن التذرع بأي سبب لمواصلة تهديد حركة الملاحة البحرية في المضيق والبحر الأحمر، حتى لو كان الهدف المعلن حوثياً هو المطالبة بوقف القتال في قطاع غزة، لاسيما أن هذه الممارسات قد أتت بأثر سلبي، وصرفت الأنظار نسبياً عما يدور في القطاع الفلسطيني، وأهدرت قدراً من التعاطف الدولي مع الضحايا المدنيين الفلسطينيين لأن الدفاع عن القضايا العادلة لا يمكن أن يتحقق بوسائل غير شرعية أو بالتسبب في ايذاء ضحايا أبرياء آخرين!.

في نهاية المطاف تبقى دولة الإمارات الرقم الصعب على كل الاعداء من حاقدين وكارهين لها، وكل محاولات لترهيبها أو لزعزعة أمنها وسلامتها واستقرارها ستبؤ بالفشل المحقق بفضل العناية الإلهية وثقة الشعب وولائه لقياداته الرشيدة التي تقود سفينة التقدم والتطور. 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف