: آخر تحديث

الرياض مركزاً لدبلوماسية السلام العالمي

4
5
4

شهدت المملكة العربية السعودية متغيرات كبيرة وحاسمة في سياستها الخارجية ، وتحديداً، منذ العام 2015 عندما تولى الملك خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إذ كشفت الرياض عن تجربة جديدة في الدبلوماسية، انعكست آثارها في العديد من الملفات السياسية لمنطقة الشرق الأوسط والعالم.

تدرك دبلوماسية السلام الجديدة للرياض أهمية التفهم للأزمات والتأمل في المشكلات التي ترتبط ببعضها بعضاً في عالم تغير كثيراً بعد ثورة المعلوماتية والاتصال، ولهذا فإنَّ اعتماد تلك الدبلوماسية الجديدة للرياض على مقومات التواصل وصلات الحوار والانفتاح ومرجعية القوة الناعمة هو ما يجب أن تتوفر عليه المملكة باستمرار لكي تلعب دوراً أكبر يجعلها مركزاً للوسطية والاعتدال في العالم.

ذلك أنَّ القدرة على رؤية المصالح الاقتصادية ومقومات التعايش السلمي كأساس للازدهار بين دول منطقة الشرق الأوسط هو أهم ما تحتاج إليه المنطقة العربية في ظل الظروف الخطيرة التي تمر بها. ولهذا كان من أهم أوراق دبلوماسية الرياض نحو تعزيز التعايش والسلم في المنطقة؛ قيام المملكة العربية السعودية بإبرام اتفاقية استئناف العلاقات السعودية مع إيران في النصف الأول من العام 2023 برعاية الصين، وكانت تلك الخطوة تطوراً كبير ونقلة مهمة في العلاقات بين البلدين، عكست جدوى التفكير خارج الصندوق، حيث أن من أهم ضمانات تثبيت ذلك الاتفاق بين البلدين عبر الرعاية الصينية هو تثمين دور المصالح الاقتصادية التي تحرص عليها الصين، فالمدخل الاقتصادي لاستئناف العلاقات بين البلدين كان عنصر ضمانة تستطيع الصين ضبط إيقاعه وفقاً للمصالح الاقتصادية والاستراتيجية التي ينطوي عليها ذلك المدخل، إذ أن الفائدة الملموسة اقتصادياً للصين في تحسين علاقات البلدين تعود بالنفع  على الجميع.

وحين نتأمل اليوم في طبيعة ذلك الاتفاق بعد الأوضاع التي شهدتها المنطقة منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، والاهتزازات التي عصفت بأمن المنطقة، سنجد أن ذلك الاتفاق بين كل من إيران والمملكة قد حمى البلدين من تداعيات ما حدث.

فالمملكة العربية التي تدرك تماماً أن رسالتها الدبلوماسية في المنطقة والعالم هي ضمان السلم ودعم الاستقرار، لا سيما في المنطقة العربية والشرق الأوسط.

إقرأ أيضاً: اليوم الوطني 93 وحوار ولي العهد الامير محمد بن سلمان

ففي المنطقة العربية يدرك الجميع حرص السعودية على حماية استقرار دول المنطقة ودعم كل الأسباب المؤدية إلى إعادة بناء ذلك الاستقرار، ولعل في الكثير من الاتفاقيات التي رعتها الدبلوماسية السعودية في تاريخها الحديث ما يدل على ذلك، من لبنان إلى الكويت إلى فلسطين، إلى  ليبيا حتى السودان مؤخراً.

من جانب آخر، تدرك المملكة العربية السعودية أن مفتاح الاستقرار في المنطقة العربية يكمن في حل المشكلة الفلسطينية، ولهذا ظلت الدبلوماسية السعودية تربط التطبيع الكامل للعلاقات مع إسرائيل بحل الدولتين وفق المبادرة العربية للسلام التي طرحها الملك عبد الله بن عبد العزيز – رحمه الله – في قمة بيروت العربية العام 2002.

اليوم بعد أن تكشفت تداعيات عملية طوفان الأقصى عن نتائج خطيرة واهتزازات كبيرة طالت محاور وأنظمة وأرست معادلات استراتيجية وسياسية جديدة، ينتظر العالم ترتيبات دبلوماسية السلام التي تعمل عليها المملكة العربية السعودية كركيزة أساسية في سياساتها الخارجية لاحتواء تداعيات  الفراغ والانسداد الذي أصبح عليه حال المنطقة العربية.

ولأنَّ صانعي القرار في المملكة العربية السعودية يدركون تماماً أن تشابك ملفات المنطقة العربية والشرق الأوسط يتصل بملفات عالمية تشتبك فيها المصالح الاقتصادية بالمصالح الجيوسياسية على نحو بالغ التعقيد، كان من الضروري جداً أن تتبنى الدبلوماسية السعودية مشروع منفتح للسلام العالمي وتساعد في توفير كافة الممكنات التي تتيح التوصل إلى حلول واعدة للأزمات الكبرى في العالم كالأزمة الروسية الأوكرانية.

إقرأ أيضاً: قمة جدة لدول الخليج وآسيا الوسطى .. آفاق جديدة

ومن هنا يمكننا أن نقرأ اليوم سر نجاح الدبلوماسية السعودية للسلام العالمي في استضافة محادثات روسية أمريكية بهدف تسوية الصراع سلمياً في أوكرانيا.

لقد ساعدت الوسطية السياسية التي انتهجها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد في تمتين العلاقات الدبلوماسية السعودية شرقاً وغرباً، ومكنت المملكة من  تمتين صلات طيبة وقوية عبر جهود  ولي العهد وعلاقات الصداقة التي ربطت بينه وبين كل من الرئيسين الأميركي والروسي.

لذا، تقود الرياض اليوم أول مبادرة حقيقية وواعدة لإنهاء الصراع في أوكرانيا، لا سيما بعد التصريحات المبشرة لكل من وزيري خارجية روسيا وأميركا الذين وصفا محادثات الرياض بأنها إيجابية وبناءة.

كما جاء تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للإعلام بإمكانية عقد قمة بينه وبين الرئيس الروسي بوتين في الرياض قبل نهاية هذا الشهر (فبراير) لتؤكد نجاح دبلوماسية السلام للمملكة العربية السعودية.

إنَّ حل عقدة الصراع بين روسيا وأوكرانيا عبر الجهود الأمريكية السعودية سيفتح الباب أمام حلول أخرى في المنطقة والعالم.

إقرأ أيضاً: ذكرى البيعة لولي العهد... إنجازات بلا حدود

ذلك أن عودة العلاقات إلى طبيعتها بين روسيا والولايات المتحدة (كما وعد الطرفان) من شأنها أن تساعد في تسهيل وحلحلة ملفات أخرى في المنطقة العربية ترتبط بالمصالح الجيوسياسية لكل من روسيا والولايات المتحدة، ومن ثم تنعكس توافقاً ايجابياً في أكثر من ملف عربي، مثل الوضع في سوريا، ولبنان وفلسطين واليمن.

إلى جانب ذلك، بات الجميع اليوم في العالم مدركاً أهمية الدور السعودي في عملية السلام بالشرق الأوسط بوصفه الدور الوحيد الذي يمكنه الاضطلاع بقيادة مشروع سلام حقيقي للشرق الأوسط.

هكذا أصبحت دبلوماسية السلام في ملف سياسات المملكة الخارجية بمثابة حجر الزاوية للمنطقة والعالم، وذلك بفضل استراتيجيات التفكير خارج الصندوق عبر مقاربة الأزمات برؤى جديدة وأفكار جريئة، من شأنها التمهيد لفرص حقيقية لصناعة السلام والتنمية و الاستقرار الازدهار وفي المنطقة العربية والعالم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف