يخطو العالم متقدماً في مسارات العلم والتقنية والكشوفات الحديثة ومدارات الذكاء الصناعي واكتشافات الفضاء، والخريطة الجينية وصناعة الروبوت!
عالم من الدهشة والغرابة تجتاح العالم، وتنذر بتغيير الحياة على كوكب الأرض، بل تغيير طباع الإنسان وسلوكياته وأهدافه خلال فترة حياته التي لم تتوقف البحوث الطبية عن هدف إطالتها!
إنَّ هذه الخطى الجبارة من التقدم في فضاء التقنيات والعلوم الحديثة، كثفت من آثارها الحزينة والكئيبة على غالبية البشر في هذه المعمورة، أي الشعوب التي تستهلك المنتج العلمي للغرب، ولن تشارك في إنتاجه!
التحول التاريخي الكبير في إيقاع الحياة والمنجز العلمي، اصطحب معه ثقافة الخوف والكراهية، والتهديد الدائم بفقدان الأمن والسلام على هذه الأرض، استئناف دائم لفقدان السلام الروحي، يتجلى في علاقة عكسية تتعمق ما بين اتساع خطى العلم، وانحسار ثقافة الحب والسلام والتضامن والعيش المشترك بين أبناء آدم وحواء، مظاهر التقدم بمدارات العلم الحديث، وخصوصاً في ميادين الأسلحة النووية الفتاكة والقدرة الخيالية على فناء البشرية، عممت ثقافة التوحش والعودة إلى الكهف البشري المزدان ببريق الليزر ومرايا جهنم المتفوقة على خيالات أخطر الأبالسة في التاريخ!
قبل خمسين سنة، كان العالم يشهد خطى وئيدة في التقدم، صناعة التلفاز الملون واختراع جهاز الفيديو وغيرها من منتجات تثير الدهشة آنذاك، إلى جانب ذلك كانت الآفاق تملأ حياة الشباب بالأحلام المتجددة عن عالم تسوده العدالة والمساواة ونهاية الحروب، بل كانت أغاني الحب تتنافس في أحدث صرعاتها الغربية والشرقية على حد سواء، قصص بطولة الإنسان وروايات مجده تترجمها لوحات الفن التشكيلي في تناغم جمالي يتنقل بين معاني رقصة زوربا اليوناني وعوالم الروايات والقصص التي تعيد تشكيل العالم والحياة لتكون أكثر بهاءً وعمقاً وجمالاً، إيقاع الحياة كان أكثر انتظاماً وهدوءاً والأهم أن لا خوف من المستقبل!
كان الذئب البشري يتربص فينا، بينما كنا نكتب الشعر، ونغني للقمر أن ينزل ليشاركنا الحفل والأحلام!
الآن أصبح الخوف يعتري الدول، وليس الأفراد والجماعات، الخوف من حصار أميركي يبيد ملايين الضعاف من الناس، الخوف من حرب تتكفل بعدم توريث حتى مقابر عند نهايتها، أو كما يحدث في غزة منذ عام ونصف، الخوف ليس من الآخر المختلف عقائدياً ودينياً، بل الخوف من الشريك و"الصديق" والرفيق، تحولات غريزية غير مرئية تحدث في هذا اللهاث المتصاعد في الخمسين سنة الأخيرة، أحالت الأوضاع البشرية إلى محاولات مرهقة للنجاة من شراك الغابة الموحشة، وهكذا أصبحت البيئة النفسية تكرسها السينما في ثقافة التوحش، وثقافة الجنسية الشاذة التي تكرس ما هو عدمي للنيل من توازنات الطبيعة للبشر والمناخ والأرض التي لم تلتزم الصمت والموت مثل البشر، بل صارت تعبر عن غضبها عبر براكين وزلازل غضب لما يفعله الوحش البشري.
الخوف من المستقبل أصبح ظاهرة تكتنف جميع فروع الحياة على الأرض بعد جفاف بحيرات الثقافة الإنسانية، وإحلال اللغة السيبرانية والروبوت "البشري" وقوة الانفجار بديلاً عن الموسيقى.