منذ عقود والرسائل والأدبيات تورد سرديات متعددة عن إعجاب كبار العلماء والمبدعين، من كتاب وفلاسفة وروائيين وزعماء سياسيين، بمنجزات وتاريخ وتضحيات رموز الآخرين الدينية، مشيدة بعظمة أعمالهم وإنجازاتهم، ورسالاتهم، لكن لم يقدم أي من هؤلاء على تغيير دينه، أو اسمه، ليلحق بمن رفع شأنهم لعنان السماء، وهذا يبين أن عدم صحة غالبية، ان لم يكن كل ما نشر وقيل عن شهادات وأقوال هؤلاء، علما بأن نفي صحتها لا ينتقص من عظمة الرموز، فهم بغير حاجة لشهادة الغير، أيا كانوا!
كما ينقل عن البعض الاستشهاد بأقوال علماء وفلاسفة، وهم على فراش الموت، تتعلق بمواقف أو آراء غير صحيحة، وغالبا هم يعلمون ذلك، لكنهم يسردونها، لمجرد أنها تسيء لمن يختلفون معهم في الرأي، ويكون لذكر مثل هذه الأقوال غالبا تأثير سلبي، خاصة على مجتمع جاهل في غالبيته، وغير محب للقراءة، كاره للبحث والتيقن من صحة ما يقرأ!
كنت أعتقد أن نسب مثل هذه الأقوال وهذا الاستشهاد بالتاريخ المزيف يقتصر على أنصاف المتعلمين الذين يتسلون بها، من على المنابر ومن خلال القنوات الفضائية، المليئة والفاضية، على عظمة هذه العقيدة أو تلك الشخصية، لكن تبين أن حتى من «يدعون سعة الاطلاع والمعرفة»، ليسوا أفضل من غيرهم من أنصاف المتعلمين الذي على استعداد تام لتصديق أي نص يقع تحت أيديهم. فقد وصف أحدهم، فيما يشبه المقال، الفيلسوف والمفكر الفرنسي الكبير «فولتير»، بأنه «أشهر مُلحد»، وأنه قال لطبيبه، وهو على فراش الموت: سأعطيك كل ممتلكاتي لو أبقيتني حيَّاً لأشهر، كي أُعيد علاقتي بربي، كيلا أذهب للجحيم!! وهذا كلام فارغ، فلا يوجد أي مرجع موثوق، وما أكثر المراجع، يؤكد أن فولتير قال ذلك. كما أن فولتير لم يكن يوما ملحداً، ونقل عنه قوله لطبيبه: «كرمى لله، دعني أرقد بسلام».
Pour lamour de Dieu, laissez-moi reposer en paix
كما كتب فولتير، قبل وفاته بفترة قصيرة: أنا الآن على شفا الموت وأنا أعبد الله، وأحب أصدقائي، ولا أكره أعدائي، وأمقت الخرافات! كما أن هناك أقوالا تنسب لغاندي وتولستوي عن النبي، وهي موثقة وتتضمن إشادات عظيمة، وأخرى تنسب لتولستوي لكنها غير صحيحة.
كما تنتشر أقوال إيجابية تنسب لكتاب كبار من أمثال جورج برنارد شو والفيلسوف كارل ماركس، عن النبي وأئمة «آل البيت»، لكن جميعها غير صحيحة.
لا يفيد القارئ التطرق لبقية ما ورد على لسان ذلك الدعي من سرديات، ولا يعني ذلك أن لا ملحدا كافرا ملعونا، شهيرا كان أم مغمورا، لم يندم على كفره، وهو مشرف على الموت، لكن هذا ليس سببا لسرد الأكاذيب، لإرضاء المعازيب! فمثل هذا الأمور يمكن بسهولة نسبية التيقن من حقيقتها، ولا ضرورة للكذب لإرضاء السذج عن ندم الكفار الملاحدة، لكفرهم، في آخر لحظات حياتهم، من دون التطرق للجانب الآخر من الأمر، عن كيف مات أضعافهم من «الملاحدة الملاعين»، على كفرهم وإلحادهم، من دون الشعور بالندم على سابق آرائهم، فهل يعني ذلك أنهم كانوا على حق؟
الجواب الطبيعي: ليس بالضرورة أبدا!
أحمد الصراف