كان البعض يمازحه حول اسمه "عريان"، وينادونه بالإنجليزية "Without Clothes"، فيضحك ويتألم في الوقت نفسه.
وعندما يسألونه عن اسمه، يجيب بضجر شديد: "فرضته السماء على أمي، ولم يختره أحد".
مات لها أكثر من ولد، ولما جاء وليدها الجديد، يئست منه. لفته بقطعة قماش وأهملته لفترة عام أو أكثر، عاش خلالها عرياناً ينتظر القدر. وبعد أن لازمته صفة "العري"، أسمته عريان. ثم تراجعت وأسمته محمد.
"محمد" العزيز… "محمد" الذي بقي لها من ذريةٍ عصفت بها الأمراض، وأنهكها فقر الجنوب وبؤسه.
وفي إحدى الليالي، أخبرها زائر في منامها بأن محمد ميت لا محالة. ففزعت وصاحت بصوت عالٍ: "عريان، يَمّه، إنتَ مو محمد!".
هكذا حمل شاعرنا عريان السيد خلف اسمه وشعره، يعري بهما الطغاة، ويشق بكفاحه التاريخ شقّاً.
رحل الشاعر عن الدنيا عملاقاً، ملفوفاً بقطعة قماش، كما جاء إليها طفلاً ملفوفاً بقطعة قماش. وبين قطعة القماش الأولى والأخيرة: تاريخ ورجولة وإبداع وعزة نفس.
وعن ارتباط الشعر العراقي بالحزن، قال: "إنَّ العراقيين يرضعون الحزن منذ صغرهم مع الحليب، لأنَّ المرأة كانت مستلبة. فقد تُجبر على الزواج من رجل لا تحبه، أو تُحرم بالإكراه من الزواج بالحبيب، وذلك إما بقتلها أو تزويجها بابن عمها. لذلك تبقى حزينة، وعندما تُرزق بطفل، تجسد فيه جميع آلامها، خاصةً عن طريق الغناء له وهو في المهد. لذا نجد أن الحزن غير مفتعل، بل متوارث".
وصف عريان لقاء الحب والحزن بهمسة:
"مو إحنا يا هو الكان يفهم حچينا
إحنا الضحچ مرات رمز لبچينا".
وقف ذات يوم بين قومه وصاح مفاخرًا:
"عملات الكبح.. ما يوم خاوني
لا زحتْ الحيا… ولا ضيّعت معروف
ولا خنت الوفه.. وربعي اجفلوا مني
أضحك بالوجوه.. بغير راحة بال
وأصبر لو ليالي العسر ضقْني
وأكابر عالشدايد… حد مصب العين
وأسكت لو دثّوا من الناس لاسني
وأسامح… ما أبحر ويه حد الغيض".