عاد ملف الهجوم على قاعة "كروكوس" الإرهابي في روسيا إلى دائرة الاهتمام مجدداً، بعد كشف السلطات الروسية عن أسماء أربعة متهمين جدد في القضية، أُلقي القبض على اثنين منهما، وأُدرج اسما الشخصين الآخرين على قائمة المطلوبين في الاتحاد الروسي، بينما تحدثت مصادر روسية عن وفاة شخص خامس بعد محاولة الفرار من رجال الأمن.
فقد نقلت صحيفة "كوميرسانت" الروسية عن محققين روس قبل أيام، أنّ الأشخاص الأربعة: حسين ميدوف، ودغابريل أوشيف، وخافاز باجودين علييف، وباتير كولاييف، وهم من السكان الأصليين لقرية سورخاخي في جمهورية إنغوشيتيا الروسية، يُحتمل أن يكونوا على ارتباط بـ"الجناح العسكري الإرهابي" لمنظمة "بطل حاجي" (Batalkhadzhins) المحظور في الاتحاد الروسي.
جذور المنظمة
تعود جذور هذه المنظمة إلى رجل دين أنغوشي ينتمي إلى قبيلة بلخاروي، وهو صوفيّ يدعى بطل حاجي بلخورويف. عاش بين نهاية القرن التاسع عشر وتوفي في بداية القرن العشرين بعد نفيه إلى الخارج.
وعادت هذه المنظمة لتبصر النور على شكل مجموعة دينية في جمهورية إنغوشيتيا قبل عقود، حيث يُقدّر عدد أتباعها بخمسة آلاف شخص فقط، أي ما يوازي خمسة بالمئة من إجمالي الشعب في إنغوشيتيا.
وتقول المنظمة إنّ أعمالها خيرية ومدنية، وتسعى إلى تعزيز السلام والوئام بين الأعراق في المجتمع. كما تدّعي أنها تدعم البرامج التي تهدف إلى تنمية القيم الأخلاقية والإنسانية للإسلام، وكذلك تنمية الصداقة بين الشعوب. كما تحاول نشر أنشطتها في منطقة شمال القوقاز.
لكن يبدو أنّ للمنظمة أنشطة عسكرية خفية وعلاقات مع تنظيمات إرهابية أخرى خارج البلاد، بخلاف ما تدّعيه في العلن.
توزيع الأدوار
وبحسب ما ورد في التحقيقات الروسية، فإنّ مهام المتهمين الأربعة توزّعت بين تجهيز الأسلحة وتأمينها، تذخيرها، ثم توصيلها إلى المنفذين الذين قتلوا وجرحوا في الحادث الدموي عشرات الأشخاص مطلع العام الحالي، بمكان مدنيّ غير بعيد عن مركز العاصمة الروسية موسكو.
واعترف المتواطئون من بين المعتقلين بالمشاركة في الاتجار غير المشروع بالأسلحة والذخائر، لكنهم ادّعوا في الوقت نفسه أنهم لم يقدّروا أو يتخيّلوا العواقب التي يمكن أن تؤدي إليها تلك الأفعال.
وفي الوقت الحالي، تقوم الأجهزة الخاصة الروسية بتقصي المعلومات عن أعضاء المنظمة الآخرين الذين يختبئون، بحسب الترجيحات، في كل من تركيا وأوكرانيا. وقد أرسلت موسكو طلبات دولية للحصول على مساعدة قانونية، لكن يبدو أنّ تنفيذها سوف يستغرق بعض الوقت، خصوصاً في حال واجهت الطلبات الروسية بعض العراقيل القانونية.
تعاون "داعش - خراسان" مع "بطل حاجي"؟
يوم 22 آذار (مارس) 2024، وقع إطلاق نار جماعي كثيف ودوت انفجارات متعددة في قاعة كروكوس سيتي الموسيقية في كراسنوغورسك، وهي مدينة روسية تقع على الطرف الغربي من موسكو.
وأطلق ما لا يقل عن خمسة مسلحين، ملثمين ومموهين، النار على حشد من المدنيين، ما أسفر عن مقتل 139 شخصاً وإصابة أكثر من 145 آخرين، مما يجعله الهجوم الإرهابي الأكثر دموية في روسيا منذ عقود.
واعتبر جهاز الأمن الفيدرالي الروسي الحادث "هجوماً إرهابياً"، بينما أعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن الهجوم، قائلًا عبر قناة في "تلغرام" في حينه أنَّ مقاتليه "هاجموا تجمعاً كبيراً.. في ضواحي موسكو"، مضيفاً أنّ "المقاتلين انسحبوا إلى قواعدهم بسلام".
ومطلع شهر تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، قال مدير جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB) ألكسندر بورتنيكوف، إنّ القائمين على تجنيد الإرهابيين الذين نفذوا الهجوم كانوا أعضاء في تنظيم "داعش - خراسان".
لكنَّ السلطات الروسية قامت بتحقيقات واسعة واستطاعت أن تكشف خيوطاً تفيد بتورّط أوكرانيا، التي حاول المنفذون الفرار إليها في حينه، وأثبتت أنّ المنفذين كانوا على اتصال مع جهات أوكرانية.
وألقت السلطات الروسية القبض على عدد من المنفذين، كما تمكنت الأجهزة نفسها اليوم من كشف خيوط إضافية حول هذا الهجوم المروّع.
إقرأ أيضاً: روسيا تقلّص عجزها... وتضاعف منتدياتها الاقتصادية
وتتواصل التحقيقات مع المتهمين السابقين والجدد من قبل إدارة التحقيق الرئيسية التابعة للجنة التحقيق الروسية، التي تتهمهم بموجب القانون الفدرالي الروسي بـ"الاتجار غير المشروع بالأسلحة والذخائر" تحت مسمى "التآمر المسبق"، وكذلك بـ"الاتجار غير المشروع بالأسلحة والعبوات الناسفة والمتفجرات التي ارتكبتها مجموعة من الأشخاص".
وأثبت المحققون أن مرتكبي الهجوم في كروكوس اتصلوا قبل أيام من وقوع الهجوم بالمتهمين الجدد الذين كانوا في إنغوشيتيا.
وتمكن حسين ميدوف البالغ من العمر 32 عاماً، من الحصول على أربع بنادق كلاشينكوف هجومية معطّلة، قام بإصلاحها وتحويلها إلى أسلحة قتالية في منزله.
أمَّا باتير كولاييف البالغ من العمر 27 عاماً، فكانت مهمته تسليم خراطيش الرشاشات الحربية إلى زملائه بعد تمويهها بواسطة مجلات ورقية. بينما قام المتهمان الآخران (جبرائيل أوشيف 23 عاماً، وخافاج باجودين 31 عاماً) بتسليم الأسلحة والذخيرة إلى "المخبأ"، ثم قاموا بعد ذلك بإرسال الإحداثيات الخاصة بالمخبأ إلى الإرهابيين، الذين التقطوا بدورهم الشحنة وذهبوا بها إلى موسكو.
إقرأ أيضاً: حملة تبرّعات أوكرانية في لبنان تُغضب موسكو
وبما أنّ جميع المخازن كانت مذخرة بالرصاص، استخلص المحققون الروس أنّ المتهمين كانوا يعرفون جيداً الأهداف من خلف تلك الأسلحة، والنتيجة المفترضة قبل وقوع الهجوم، وهذا بدوره ينفي حجتهم بعدم علمهم بالعواقب.
وبحسب شهادة المتهمين، فقد حصل هؤلاء على أكثر من مليون روبل (قرابة 10 آلاف دولار) مقابل تحضير الأسلحة وتذخيرها ونقلها إلى الإرهابيين.
وقد تمكن عناصر الأمن الفيدرالي الروسي وإدارة التحقيقات الجنائية من توقيف ميدوف وأوشيف في إنغوشيا، بينما علييف وكولايف لا يزالان فارين.