إيلاف من لندن: تحل اليوم الذكرى الرابعة والأربعين لتأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهو الحدث الذي مثل نقلة نوعية في مسار العلاقات الخليجية. وبينما تستعد الإمارات العربية المتحدة لرئاسة الدورة القادمة للمجلس لعامي 2025 و2026، يبرز تصحيح تاريخي مهم يعيد النظر في الأدوار المحورية التي أسهمت في ولادة هذا التكتل الخليجي، وعلى رأسها دور الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والحوار الذي أجراه معه الناشر ورئيس التحرير عثمان العمير في تسليط الضوء على حقيقة جذور الفكرة.
التأسيس الرسمي... لكن ماذا عن الجذور؟
في 4 شباط (فبراير) 1981، أعلنت كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين وسلطنة عُمان والكويت وقطر وثيقة تأسيس مجلس التعاون الخليجي من الرياض، ليصبح المجلس كيانًا رسميًا مع انعقاد أول قمة خليجية في أبوظبي يوم 25 أيار (مايو) من العام نفسه. لكن مراجعة تاريخية لمراحل التأسيس تكشف أن فكرة إنشاء المجلس ليست وليدة ذلك العام، بل تعود إلى رؤية مبكرة كشف عنها الشيخ زايد منذ السبعينيات لعثمان العمير، سكرتير تحرير صحيفة الجزيرة السعودية آنذاك، خلال حوار مطول أجراه معه في قصره في أبوظبي.
في الحوار المطول الذي نشرته "الجزيرة" وصحف أخرى بالتزامن منها "الاتحاد" الإماراتية يوم 5 تشرين الأول (أكتوبر) 1974، أكد الشيخ زايد لعثمان العمير دعمه عقد مؤتمر قمة خليجياً، واقترح أن يتم برعاية المملكة العربية السعودية باعتبارها الشقيق الأكبر لدول الخليج. كما أشاد باتفاق "الفيصل - زايد"، والمقصود به الاتفاق مع الملك الراحل فيصل، ووصفه بأنه خطوة أساسية تمهد لمزيد من التعاون الخليجي. وقال الشيخ زايد في الحديث المنشور قبل 51 عاماً: "هذه البادرة سوف تتلوها بوادر كثيرة وخيرة لصالح الشعبين الشقيقين"، مشيرًا إلى أنَّ الاتفاق مع السعودية يشكل حجر أساس في مستقبل التعاون الخليجي. كما تناول الحوار قضايا سياسية محورية آنذاك، منها أزمة الشرق الأوسط، مؤتمر القمة العربي القادم، أسعار النفط، والدول المستهلكة، إضافة إلى سياسة دولة الإمارات تجاه شركات النفط.
هذا التصريح، الذي يعود تاريخ نشره الى منتصف السبعينيات من القرن الماضي، يعيد ترتيب الفهم التاريخي لميلاد مجلس التعاون الخليجي، إذ يوضح أن الشيخ زايد كان، إلى جانب الملك فيصل، من أوائل القادة الذين طرحوا الفكرة، وأنها لم تكن وليدة عام 1981 كما يُعتقد على نطاق واسع، بل هي امتداد لرؤية سابقة دعمتها الإمارات منذ بداياتها. ولولا التوثيق الصحفي الذي أجراه عثمان العمير، لربما بقي هذا الجانب من القصة بعيدًا عن الأضواء.
مانشيت صحيفة الجزيرة في عددها الصادر يوم 5 تشرين الأول (أكتوبر) 1974
توثيق الأدوار التاريخية
هذا التصويب التاريخي لا يغيّر من حقيقة أنَّ الإعلان الرسمي تم في عام 1981، لكنه يبرز حقيقة أن التفكير في تأسيس مجلس التعاون الخليجي بدأ قبل ذلك بسنوات، بمبادرة من الشيخ زايد، الذي رأى في السعودية المحور الأساسي لهذه الوحدة. كما يعيد إبراز الدور الحاسم لاتفاق "الفيصل - زايد" الذي لم يكن مجرد اتفاق ثنائي، بل خطوة في سياق تعزيز الوحدة الخليجية الشاملة. ويلعب التوثيق الذي قدمه عثمان العمير في مقابلته دورًا أساسيًا في إعادة تسليط الضوء على هذا الجانب التاريخي.
نص حوار الذي نشرته الجزيرة يوم 5 تشرين الأول (أكتوبر) 1974:
المؤتمر الخليجي ريادته للسعودية
أهنئ الشعب السعودي بقيادة الفيصل الرائدة.. أبو ظبي - كتب عثمان العمير : أشاد صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة .. بجلالة الملك فيصل المعظم وبمواقفه الحميدة .. تجاه دولة الإمارات العربية المتحدة .. وبالاتفاق الودي والأخوي بين الدولتين الشقيقتين .. كما أكد اختطاط الدولة الشقيقة لكافة الخطى والطرق التي يسلكها جلالة الفيصل المعظم .. وكان سموه يدلي بحديث خاص لجريدة الجزيرة التي أجرت لقاء مطولاً مع سموه ليلة الجمعة - أمس - في قصره بأبو ظبي . وقال سموه إنه يؤيد فكرة عقد مؤتمر قمة خليجي واقترح عقد المؤتمر في المملكة باعتبارها الشقيق الأكبر لدول الخليج . وكرر إشادة باتفاق الفيصل - زايد وقال إنها بادرة كبيرة وعزيزة تحققت بفضل حكمة الفيصل وحلمه الواسع . وقال سموه : إن هذه البادرة سوف تتلوها بوادر كثيرة وخيرة لصالح الشعبين الشقيقين . كما أجاب سموه على عدة أسئلة أخرى تتناول أزمة الشرق الأوسط ومؤتمر القمة هذا وسوف ننشر الحديث الكامل لسموه غداً حيث تشارك الزميلة جريدة الاتحاد الصادرة في أبو ظبي بنشرها أيضاً بناء على رغبتها … وكذلك الأجهزة الإعلامية الأخرى في الدولة الشقيقة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أثناء حديثه الصحفي للزميل عثمان العمير سكرتير تحرير هذه الجريدة وتحدث فيه عن أبرز القضايا السياسية الراهنة والموقف بالخليج |
تعزيز العمل الخليجي المشترك
تأتي ذكرى تأسيس مجلس التعاون الخليجي هذا العام في ظل نشاط دبلوماسي مكثف بين دوله، حيث شهدت الفترة الأخيرة لقاءات وزيارات رسمية تعكس متانة العلاقات الخليجية. ففي كانون الأول (ديسمبر) الماضي، استقبل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، كما استقبل الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي، في زيارات تؤكد عمق الروابط بين البلدين.
كما شهد مطلع كانون الأول (ديسمبر) 2024 انعقاد القمة الخليجية الـ45 في الكويت، التي أكد بيانها الختامي على دور دولة الإمارات في تعزيز الاستقرار الإقليمي، مع الترحيب بتوليها رئاسة الدورة القادمة للمجلس. ومن المقرر أن تستضيف أبوظبي القمة الخليجية الـ46 في نهاية العام الجاري، وسط تطلعات لمزيد من التقدم والتكامل الخليجي.