عشت في ولاية فلوريدا تقريبًا نصف عمري، وتمرّ علينا سنويًا أعاصير موسمية في الفترة من حزيران (يونيو) إلى تشرين الثاني (نوفمبر) من كل عام، وتتراوح شدة هذه الأعاصير من شديدة الخطورة إلى مجرد عاصفة أمطار حسب سرعة الرياح عند وصول الإعصار إلى الأرض. التفسير العلمي لهذه الأعاصير يتلخص في:
1. الموقع الجغرافي: تقع فلوريدا على المحيط الأطلسي من الشرق وخليج المكسيك من الغرب. هذا الموقع يجعلها معرضة للرياح المدارية القادمة من كلا المسطحين المائيين.
2. درجة حرارة المحيطات: يحتاج تشكُّل الأعاصير إلى مياه دافئة، وفي موسم الأعاصير ترتفع حرارة المياه في المحيط الأطلسي وخليج المكسيك من حزيران (يونيو) إلى تشرين الثاني (نوفمبر).
3. الرطوبة والضغط الجوي: يتطلب تكوّن الأعاصير رطوبة عالية في الهواء وفرقًا في الضغط الجوي. مع ارتفاع الهواء الدافئ الرطب من سطح المحيط، يتكثف ويبرد، مشكلًا سحبًا كثيفة وعواصف عنيفة، والتي يمكن أن تتطور إلى إعصار عندما تستمر الظروف المواتية.
4. تأثير الرياح الدوارة: يؤثر دوران الأرض على حركة الهواء، مما يساهم في دوران العاصفة حول مركز منخفض الضغط. هذا الدوران ضروري لتكوّن الأعاصير المدارية، والذي يعزز من قوتها مع استمرار تزويدها بالطاقة من المياه الدافئة.
هذا باختصار رأي العلماء في أعاصير فلوريدا، أمَّا "علماء" الأديان فلهم رأي آخر نستعرضه حسب أقدمية الأديان:
- الحاخام: يرى أحد حاخامات إسرائيل المتطرفين أنَّ أعاصير فلوريدا حدثت لأن الرب يعاقب الأميركيين بسبب مظاهرات الطلاب في أميركا التي تطالب بوقف العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة.
- القسيس: هناك قسيس أميركي مشهور يرى أنَّ الرب يعاقب الأميركيين بهذه الأعاصير لانتشار التحلل والشذوذ الجنسي والدعارة وكذلك انتشار الإجهاض.
- الشيخ: وصلني فيديو من شيخ يبدو أنه فلسطيني يتوعد الأميركيين بغضب من الله لا قِبَل لهم به، وما إعصار فلوريدا الأخير إلا عينة من الغضب الإلهي على الأميركيين لتأييدهم اللامحدود واللامشروط لاستمرار العدوان الإسرائيلي على أهل غزة.
وطبعًا، اتفق رجال الدين الثلاثة على أن الأعاصير هي غضب إلهي، وإن اختلفوا في سبب غضب الله، وكأنهم يتحدثون عن ثلاثة آلهة مختلفة! والثلاثة اعتبروا أنفسهم يعرفون نوايا هذا الإله كما أنهم يعتبرون أنفسهم وكلاء لهذا الإله والمتحدث الرسمي باسمه على سطح الأرض.
إقرأ أيضاً: أصبحت مدمناً على مشاهدة الكرة الإنجليزية
ليس فقط يتحدثون باسم الرب، ولكنهم يعرفون نواياه أيضًا، بل ويقرؤون أفكاره. وفي الأزمان القديمة كان هناك احتكار ديني شامل لتعاليم الآلهة لأن الكهنة ورجال الدين كانوا من القلة التي كانت ميزتها الوحيدة أنهم يعرفون القراءة والكتابة بينما العامة والدهماء كانوا أميين، لذا كانوا يتطلعون إلى رجال الدين باعتبارهم وكلاء الإله، لدرجة أنَّ بعض الكنائس في القرون الوسطى كانت تبيع صكوك الغفران للناس والتي تضمن مغفرة الرب لهم وبالتالي يضمنون دخول الجنة.
وللأسف، ونحن على وشك انتهاء الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، وانتشار التعليم والمعرفة، ما زال معظم الناس متعلمين وغير متعلمين يستمعون إلى رجال الدين ويستشيرونهم في كل شؤون حياتهم ابتداءً من كيفية دخول الحمام وانتهاءً بكيفية ممارسة الجنس مع زوجاتهم.
إقرأ أيضاً: حديث صحفي مع الخبير الاستراتيجي د. جلال أبو زرافة
المؤمن الحقيقي في تقديري لا يحتاج إلى وسيط بينه وبين ربه، والله جميل يحب الجمال، والله محبة ويحبنا جميعًا لأنه الخالق، وليس من المعقول أن يكره الخالق ما قد خلق.