قد ينتظر العالم أسابيع أو شهوراً من الفوضى الأميركية بعد الانتخابات التي ربما لا تنتهي هذا الثلاثاء. فقد يعاد الفرز في عدة ولايات إثر تزايد الشكاوى والشكوك بالعملية الانتخابية، وقد تفصل بالنتائج المحاكم المحلية والفيدرالية، وقد شهدت المحاكم الشكاوى قبل يوم الاقتراع.
وبالتأكيد إنَّ لهذه التطورات انعكاسات محلية، فهي ناتجة عن التفاعلات والتحولات داخل المجتمع الأميركي وبعض التمزقات التي ضربت المجتمع. والتي تسببت بحالة من الاستقطاب السياسي الحاد حتى تقاربت فرص المرشحين إلى حد غير مسبوق. وهذا يعكس مستوى الانقسام الرأسي في الولايات المتحدة.
لكن ما يمكن وصفه بحالة عدم الاستقرار السياسي في واشنطن خلال فترة الانتقال السياسي لن تنعكس فقط على الداخل الأميركي بل ستمتد آثاره على استقرار العالم كله والشرق الأوسط خصوصاً؛ فالاستراتيجية الأميركية في الإقليم تعاني مما يوصف بحالة ارتباك (على أقل تقدير)؛ فمنذ أعلن الرئيس الأسبق باراك أوباما عن تغيير أولويات الأمن القومي الأميركي والسياسة الخارجية عام 2012 بالتركيز على جنوب شرق آسيا لمواجهة الصين والانسحاب من منطقة الخليج؛ وهذه المنطقة تعاني أعراض هذه السياسة التي كانت ستترك فراغاً لا تقبله الطبيعة السياسية لهذه المنطقة الاستراتيجية ذات الحساسية المتناهية. وكان ساسة وخبراء كثر انتقدوا هذه السياسة بمن فيهم سفير الولايات المتحدة السابق بالأمم المتحدة جون بولتون، حيث وصفوها بأنها مثالية وساذجة للغاية، وتروج لاسترضاء الخصوم. والمقصود شرق أوسطياً هنا إيران.
وتأكدت ملامح هذه الاستراتيجية بسحب الرئيس جو بايدن في حزيران (يونيو) 2021 منظومات دفاعية وبطاريات باتريوت من السعودية والخليج. وهو ما وصفه موقع CNN وقتها بأنه ضمن الجهود العسكرية الأميركية التي تركز على "تنظيم المهام والقوات لمواجهة الصين وروسيا". وتلا ذلك تركيز أميركي على البحر الأحمر الذي تعده واشنطن ركيزة مشروع الشرق الأوسط الكبير، مما أدى في ما بعد إلى مواجهة غير متوقعة بين أميركا وبريطانيا من جهة وإيران من جهة ثانية في جنوب البحر الأحمر بواسطة الوكيل المحلي الإيراني (الحوثي)، وهي المواجهة المنتظرة تقليدياً في مياه الخليج!
ومن مظاهر هذا الارتباك الأميركي في الشرق الأوسط أيضاً الدور الأميركي غير الفعال في حربي غزة ولبنان. وإذا كانت هذه الحال أثناء عهد الرئيس بايدن فماذا ستكون خلال فترة الانتقال السياسي بعيد الانتخابات وقبيل تتويج الرئيس الجديد؟
ويرى الكتاب الأميركيون ما يراه الآخرون فيقول الكاتب في واشنطن بوست جوج ويل إنَّ ترامب وهاريس يتفقان أيضاً على أنَّ الديمقراطية الأميركية في حالة من "الفوضى"، إذ يقول ترامب إنَّ الانتخابات "مزورة"، بينما تعتبر هاريس أن "الدستور والكونغرس والشعب ضعفاء للغاية لدرجة أن لا أحد سواها يمكنه منع (الرئيس السابق والمرشح الجمهوري دونالد) ترامب من تدمير ما أسسه جورج واشنطن وحافظ عليه أبراهام لينكولن"، بحسب الكاتب!
مجلة فورين بوليسي نشرت مؤخراً تحليلاً في موقعها الإلكتروني عن حالة الفوضى المرتقبة. وإذا كان الأمر كذلك وباعتراف الأميركيين أنفسهم الذين يلمسون نذر هذه الفوضى، فيحقّ السؤال: ماذا سيكون الحال شرق أوسطياً خلال الشهرين ونصف الشهر التي تمتد من يوم الاقتراع في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) إلى يوم التتويج في 20 كانون الثاني (يناير) 2025؟
إقرأ أيضاً: محمد بن سلمان في القاهرة: العلاقات السعودية المصرية في أحسن حالاتها
يتوقع أن تشهد هذه الفترة نوعاً من عدم الاستقرار السياسي في البيئة الأميركية، ينتج عنه ركود في السياسة الخارجية، وهذا أمر سلبي لمنطقة مثل الشرق الأوسط تشهد حروباً وصراعات تراها أطرافها (وجودية). فرغم هشاشة الدور الأميركي في المواجهات المسلحة الراهنة، إلا أنَّ واشنطن ضبطت بقدر ملموس إطار الردود المتبادلة بين إيران وإسرائيل وسيطرت على المواجهة الإقليمية وحدت من تصعيدها، فماذا عساها أن تفعل في ظل إدارة منصرفة وبيئة سياسية مشوشة تتسم بعدم اليقين!
إقرأ أيضاً: هل سرّبت واشنطن الوثائق السرية لإفساد الضربة الإسرائيلية على إيران؟
لا يستبعد أن يجد رئيس الحكومة الإسرائيلية فرصته في تصعيد الموقف مع إيران خاصَّة أنَّ الأخيرة لم تتخلص من حالتها الشعبوية في مزاعم النضال ضد إسرائيل. من المتوقع أن بنيامين نتنياهو لن يسلف الرئيس المنصرف (بايدن) أيّ مكاسب سياسية بتسوية لإطلاق النار في غزة أو في لبنان، وهو الذي لم يمنحه هذا المكسب خلال الحملات الانتخابية. وقد يجد في فترة (النزاع الديمقراطي) المتوقع فرصة لاستكمال أهدافه القائمة على العنف والعدوان.
إنَّ نذر التصعيد في مواجهة إقليمية في المنطقة حالة متطورة، في ظل الظرف الأميركي الداخلي الذي قد يعطل دبلوماسيتها الخارجيَّة، مما قد يدفع المنطقة إلى سياسة حافة الهاوية!