أتت نتائج الانتخابات العامة الأخيرة في إقليم كردستان العراق التي نُظّمت في 20 تشرين الأول (أكتوبر) الفائت بعد طول تأجيل، لتحدث تحولاً كبيراً في المشهد السياسي هناك وفي توازنات القوى ومعادلات الحكم.
وكما كان متوقعاً، نجح الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل جلال طالباني في إحداث الفرق الكبير هذه المرة. وعلى الرغم من أنه حلَّ ثانياً بعد الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، إلا أن لغة الأرقام والنسب مقارنة بآخر انتخابات جرت في 2018 تشير إلى أن الاتحاد الوطني هو الرابح الأكبر دون شك.
فقد تراجع عدد مقاعد الحزب الديمقراطي الكردستاني بصورة دراماتيكية من 45 مقعداً، يضاف إليها 11 مقعداً لكوتا المكونات، أي بواقع 56 مقعداً، إلى 39 مقعداً.
وفي المقابل، تمكن الاتحاد الوطني من زيادة عدد مقاعده من 21 إلى 23 مقعداً، مما يعني أن حزب بارزاني قد فقد غالبية النصف التي كان يمتلكها سابقاً.
وهذا يعكس خرائط جديدة للقوة والنفوذ والأحجام وما يرتبط بها من تغيير في آليات وطرائق الحكم في الإقليم، الذي لا يخفى أنَّ شعبه، رغم أنَّ الإقليم يطفو على بحار من النفط والغاز، يعاني الأمرين نتيجة جملة تحديات اقتصادية ومعيشية وخدمية وأمنية، بسبب السياسات الأحادية الفاسدة والخاطئة للحزب الديمقراطي الكردستاني، وخصوصاً الجناح المتنفذ فيه بقيادة مسرور بارزاني.
إقرأ أيضاً: بافل طالباني .. نجم انتخابات كردستان
ليس سراً أن الحكومة التاسعة التي قادها بارزاني الابن تُعد الأسوأ على الإطلاق منذ بداية التسعينيَّات، إثر تنظيم أول انتخابات عامة في كردستان العراق في عام 1992.
أمام هذا الواقع، يقود الاتحاد الوطني الكردستاني عجلة الدفع نحو إصلاح وترميم تجربة إقليم كردستان، وإعادة الاعتبار للتوازن والشراكة والتكافؤ بعد طول تفرد من قبل الديمقراطي الكردستاني، مستغلاً ما كان يعانيه الاتحاد من تراجع وضعف وانقسام منذ انشقاق نوشيروان مصطفى عنه وتشكيله حركة التغيير في 2009. لكن مرض زعيمه التاريخي الرئيس مام جلال في أواخر عام 2012، ومن ثم رحيله في تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2017، كان العامل الأبرز في مشكلات الاتحاد العميقة.
إقرأ أيضاً: كيف حسم طالباني معركة كركوك؟
وقد تكاثرت التكتلات ومراكز القوى داخل الحزب، مقدمة المصالح الشخصية والفئوية الضيقة على كل اعتبار، حتى أن بعض تلك المراكز كانت، ولو موضوعياً وبصورة غير مباشرة، روافع لدعم تفرد حزب بارزاني وتغوله ومجاراته في كل صغيرة وكبيرة.
وضع زعيمه الشاب بافل جلال طالباني حداً لهذا الوضع بدعم من قاعدة وقيادة الاتحاد، مع انتخابه لرئاسة الحزب وخاصة بعد المؤتمر الخامس الأخير الذي عُقد في أواخر أيلول (سبتمبر) من العام المنصرم، واضعاً الاتحاد مجدداً على سكته الصحيحة كحزب جماهيري عريض وكقوة ديمقراطية أساسية منوط بها تصحيح مسار الحكم وتقويم اعوجاجاته، وتعزيز الدور الكردي الفاعل في العراق الفيدرالي، وكقوة ملتزمة بالمصالح العليا للشعب الكردي ليس فقط في العراق بل في كافة أجزاء كردستان، ووقف تمادي الديمقراطي الكردستاني في مسعاه لتحويل الإقليم إلى مزرعة حزبية خاصة وساحة مستباحة لجيوش قوى إقليمية طامعة.