: آخر تحديث

أحداث متسارعة في سوريا

9
9
11

كثير من المحللين يقفون عاجزين عن تحليل ما يحدث في سوريا، كما حدث لحزب الله في لبنان، رغم أن الطرفين لم يستهدفا أمن إسرائيل. لكن تبعيتهما لإيران وتحالفهما معها جعلهما هدفًا لإسرائيل وللفصائل المسلحة السورية. لكن السؤال المنطقي: لماذا أميركا وإسرائيل، اللتين مكّنتا إيران، الآن تنقلبان عليها؟

إسرائيل وأميركا خلقتا الأجواء في لبنان وسوريا للقضاء على حزب الله في لبنان وضرب قادة الحرس الثوري في لبنان وسوريا. بالطبع، يتساءل كثير من المحللين: هل منعت أميركا السعودية من الانتصار للثورة السورية ضد نظام بشار الأسد الذي قتل أكثر من مليون سوري وهجّر أكثر من 12 مليونًا داخليًا وخارجيًا؟ كذلك منعت السعودية من الانتصار للشرعية اليمنية ضد الحوثيين المدعومين إيرانيًا في اليمن بعدما وضعت أميركا خطًا أحمر لتحرير صنعاء والحديدة؟ كيف تحولت أميركا رأسًا على عقب وأصبحت تحقق ما كانت السعودية تنوي العمل به؟

استثمرت السعودية تغيّرات موازين القوى لتحجيم الهيمنة الأميركية أو جعلها إحدى القوى في منطقة الشرق الأوسط. ووجدت أن السياسة الواقعية لا تقدم حلولًا لأزمة المنطقة، فاتجهت إلى اتباع نظرية اللعبة التي يتمثل هدفها الرئيسي في التحليل الرسمي لإجراءات صنع القرار والعلاقات بين لاعبين أو أكثر، من أجل تفسير التفاعلات بين الجهات الفاعلة.

نظرية اللعبة لا توفر فقط وسائل محددة لفهم الحقائق المختلفة، بل تؤثر أيضًا على التفاعلات ذات الفوائد الواسعة. إذ تعتمد هذه النظرية على تحليل استراتيجية مواقف الصراع، أي اعتماد استراتيجية أحد الجوانب على توقعات استراتيجية الجانب الآخر للحصول على أفضل النتائج الملائمة، مما يجنبها صراعات الحروب. وتسمى هذه النظرية "الصفرية"، باعتبارها أكثر فاعلية. يعتمد تحقيقها على مهارة السياسيين، مما يجعل السعودية تستعيد لعبة الصراع دون حروب.

هذا النهج جعل السعودية تبحث عن فاعل دولي جديد كضامن بين السعودية وإيران، وهي الصين، ونجحت في تحقيق هذا الهدف، مما أربك استراتيجية الولايات المتحدة رأسًا على عقب. في المقابل، قدمت السعودية لأميركا والغرب إغراءً لاحتواء الصدمة التي أصابت الولايات المتحدة باقتراح ممر هندي أوروبي، مستثمرة أزمة الإمدادات التي يعاني منها العالم نتيجة جائحة كورونا وتهديد الحوثيين لممرات البحر الأحمر. فأعلنت السعودية وأميركا هذا الممر في قمة العشرين في نيودلهي، والذي يتطلب إقامة دولة فلسطينية.

لكنَّ إيران قامت بطوفان الأقصى لوقف تحقيق الدولة الفلسطينية الذي يقضي على مشروعها، وكانت ترى إسرائيل وأميركا والغرب أنَّ طوفان الأقصى ليس فقط بدعم إيراني، بل أيضًا بدعم صيني وروسي، لأنه يهدد مشروع الحزام والطريق.

هل تنجو دمشق بعد صدمة حماة وبعد حلب؟ وماذا عن المفاجآت المتسارعة، خصوصاً بعد اتصال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالأمين العام للأمم المتحدة وتأكيده بأن هناك حلاً سياسياً يجري داخل سوريا؟

تشهد الساحة السورية تبدلات متسارعة؛ فقد كان اجتماع بغداد خارج الزمن، حتى لو ضغطت إيران على بغداد للزج بمقاتلين لدعم النظام السوري. مع ذلك، سبق مقتدى الصدر أي قرار إيراني بإظهار حيادية بغداد تجاه ما يجري في سوريا. في تطور آخر، انسحبت قوات النظام من دير الزور والميادين إلى داخل المدن، فيما سيطرت قوات "قسد" على معبر البوكمال. أما القاعدة العسكرية الأميركية في التنف، الواقعة على الحدود الأردنية العراقية، فتؤكد أن أي محاولة عبور لتلك الحدود ستُقصف.

إقرأ أيضاً: قمة الفرص

زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى أنقرة لم تثمر أي نتائج، بينما من المرتقب عقد اجتماع أستانا. في الوقت ذاته، أجلت الجامعة العربية اجتماعاً لوزراء الخارجية بناءً على طلب بشار الأسد، مما يُظهر احتضاناً عربياً للأسد، رغم أنه لم يتمكن حتى الآن من إخراج المليشيات الإيرانية من سوريا.

من منظور أميركي، يرى المراقبون أنَّ نظام الأسد مكّن إيران وروسيا من التحكم في مفاصل الدولة السورية. ففي عام 2014، كان النظام يسيطر فقط على 18 بالمئة من الأراضي السورية. بعد الاستعانة بروسيا، ازدادت السيطرة لتشمل نحو ثلثي البلاد، مع وجود 63 ألف جندي روسي ونحو 30 طائرة عسكرية روسية متمركزة في طرطوس وحميميم.

ورغم هذا، دفع السوريون ثمناً باهظاً من خلال التهجير القسري والاستيلاء على أراضيهم من قبل المليشيات الإيرانية، في مشهد يشبه ما تعانيه فلسطين من إسرائيل. ووسط هذا الصراع، تمكنت شخصيات معارضة، مثل أبو محمد الجولاني، من الترويج لنفسها، حتى أن لقاءً له عُرض على قناة CNN.

إقرأ أيضاً: الحوثيون وخطرهم المميت

تضغط المعارضة السورية على النظام من الشمال والجنوب، مع فتح جبهة في ريف دمشق. ويُعتبر هذا التحرك تكتيكاً عسكرياً يهدف إلى إرباك النظام وتشتيت قدراته لتخفيف الضغط على حمص. كذلك، تسعى المعارضة لوقف النفوذ الإيراني، الذي يعتبر سوريا محور نفوذه وشرياناً يربط بين حزب الله والجماعات العراقية.

قتلت أميركا قاسم سليماني، الذي كان يدير جماعات مليشياوية في سوريا استعداداً لحرب مع واشنطن. وبالنسبة إلى روسيا، فإنَّ وجودها العسكري في سوريا ليس فقط لتحقيق الوصول إلى المياه الدافئة، وإنما أيضاً لتحدي النفوذ الأميركي.

تدرك أميركا أهمية موقع سوريا كحلقة وصل بين آسيا، أوروبا، وأفريقيا، إضافة إلى أهميتها الجيوسياسية كمسار لخطوط أنابيب النفط والغاز. وترى تركيا أنَّ السيطرة الإيرانية والروسية على سوريا تتعارض مع مصالحها، مما يخلق توافقاً أميركياً تركياً بشأن تقليص النفوذ الإيراني.

إقرأ أيضاً: حرب تمارسها إسرائيل وتديرها أميركا

أعلنت روسيا أنها لن تتدخل أكثر، وطلبت من مواطنيها مغادرة سوريا. أمَّا إيران، فقد دخلت في مرحلة انتظار، خصوصاً بعد تصريح مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، حول وجود اتفاق شامل مع إيران بشأن برنامجها النووي والصاروخي.

بالرغم من هذه التطورات، لا تزال المعارضة السورية، بدعم أميركي، تضغط لإسقاط الأسد. ويرى الرئيس جو بايدن ضرورة استمرار الوجود الأميركي لمنع عودة تنظيم داعش، في حين أنَّ ترامب يرى أن ترك الأطراف تتصارع يصب في مصلحة أميركا العظمى.

تركيا تسعى لتقليص النفوذ الإيراني، وتوافقها أميركا والعرب في ذلك. أما اجتماع أستانا الأخير، الذي عُقد لأول مرة بحضور وزراء خارجية عرب في الدوحة، فيُبرز محاولات إحياء دور عربي في الشأن السوري. ومع ذلك، يظل المشهد السوري معقداً، حيث يُعتبر جزءاً من صراع إقليمي ودولي تتشابك فيه المصالح الجيوسياسية والقوى الكبرى.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف