لم يكن فايز عبد الهادي، الذي عرفته عن كثب، مجرد صحفي بارع أو محرر مخضرم في مجلة "الصقر"، بل كان نموذجاً للصحفي الذي يجمع بين الأخلاق العالية والموهبة الاستثنائية. عمله الدؤوب في مجال الصحافة الرياضية، وعلاقاته المتينة مع نخبة الرياضيين والمفكرين، جعله أحد الأسماء البارزة في الإعلام الرياضي العربي.
رحلته المهنية امتدت إلى أكثر من نصف قرن، بين أروقة الصحافة والملاعب، مروراً بتجربته الثرية في مجلة "الصقر" ودوره في تطوير الإعلام الرياضي القطري والعربي. لم يكن النجاح بالنسبة له مجرد محطات عابرة، بل مسيرة متواصلة حافلة بالتحديات والإنجازات.
وُلِدَ فايز عبد الهادي في بيئة مُحبّة للصحافة، حيث كان والده حريصاً على اقتناء الصحف اليومية وقراءتها، ما جَعله شغوفاً بالمجال منذ نعومة أظفاره. اعتاد قراءة الصحف والمجلات الرياضية مثل "الأهرام"، "الأخبار"، و"الجمهورية"، وكان يُتابع أعمدة كبار الصحفيين والمحررين. مع مرور الوقت، لم يكن اهتمامه بالصحافة مجرد هواية، بل أصبح حلماً يسعى لتحقيقه.
انتقل عبد الهادي إلى القاهرة لاستكمال دراسته، وهناك التحق بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، حيث واجه تحديات كبيرة، خاصة في ظل اشتراط اجتياز اختبارات تحريرية وشفهية صعبة. تميز في دراسته، وكان من بين طلابه أساتذة كبار مثل جلال الدين الحمامصي، وعبد الملك عودة، وفاروق أبو زيد. وكان نجاحه في هذه الفترة خطوة أولى نحو احتراف العمل الصحفي.
إقرأ أيضاً: الموسيقى ومعالجة مرضى الأعصاب
بدأ عبد الهادي مسيرته في كلية الإعلام بجامعة القاهرة، حيث تأثر بعدد من الرموز الصحفية الكبرى مثل جلال الدين الحمامصي، وعبد الوهاب مطاوع. عشق الصحافة منذ صغره، واستطاع أن يحول هذا العشق إلى مهنة متألقة، متنقلاً بين الصحف والمجلات الكبرى مثل "روز اليوسف"، و"المساء"، و"الكورة والملاعب"، إضافة إلى عمله كمحرر عام في "الصقر".
كان التحاقه بمجلة "الصقر" عام 1978 نقلة نوعية في حياته المهنية، حيث أتاح له ذلك فرصة لقاء أبرز الشخصيات الرياضية والإعلامية في العالم. كما لعب دوراً هاماً في تغطية البطولات الكبرى، والمشاركة في تطوير المحتوى الرياضي في الإعلام القطري، من خلال عمله في تلفزيون قطر، واللجنة الأولمبية القطرية.
إلى جانب عمله كمحرر، تولى عبد الهادي مهام تحليل وتغطية مباريات الفرق الكبرى، وخاصة نادي الأهلي الذي كان جزءاً أساسياً من حياته. كانت صداقاته مع نجوم كرة القدم من أبرز المحطات التي صقلت تجربته الصحفية، حيث استطاع بفضل علاقاته المتينة إجراء مقابلات حصرية مع نجوم بحجم محمود الخطيب، حسن حمدي، مصطفى عبده، وغيرهم.
لم تكن مجلة "الصقر" مجرد مطبوعة رياضية، بل كانت مؤسسة إعلامية جامعة، وضعت بصمتها في الإعلام العربي. أُنشئت المجلة بفضل رؤية الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وكان هدفها إيصال الثقافة الرياضية إلى الشباب العربي. ساهم فايز عبد الهادي في تعزيز دور المجلة، من خلال استقطاب أفضل الأقلام العربية، وإعداد تحقيقات وتقارير ميدانية أغنت المحتوى الرياضي العربي.
وبالرغم من التحديات التي واجهتها المجلة، بما في ذلك توقفها في مراحل عدة، فإنها عادت بصيغة إلكترونية عام 2024، محاولة مجاراة التطورات الإعلامية الحديثة، ولكنها لم تلقَ الدعم الكافي، ما جعل استمرارها موضع تساؤل.
لم يقتصر دور عبد الهادي على الصحافة المكتوبة، بل امتدَّ إلى التلفزيون والإعلام الرياضي المتخصص. قدم برنامج "الناس ورمضان" الذي كان من البرامج الرمضانية الناجحة، كما ساهم في إعداد برامج تحليلية وتغطيات رياضية كبرى. كما أعدّ عدة كتب عن الرياضة والرياضيين، وكان له دور مؤثر في توثيق تاريخ الأندية والمنتخبات العربية.
إقرأ أيضاً: الرياضة النسائية العربية.. وعودة محمودة
كانت تغطيته الإعلامية لمباريات النادي الأهلي ومباريات الدوري القطري حافلة بالأحداث والتحقيقات الحصرية، فقد كان من الصحفيين القلائل الذين استطاعوا تقديم معلومات دقيقة حول كواليس الأندية والمنتخبات.
تقديراً لمساهماته، حصل عبد الهادي على عدة جوائز، كان آخرها درع اتحاد الثقافة الرياضية العربية لعام 2023، تقديراً لمسيرته الطويلة في خدمة الإعلام الرياضي. كما نال العديد من التكريمات من قبل اتحادات وأندية رياضية، إضافة إلى الجوائز التقديرية من اللجنة الأولمبية القطرية.
نال عبد الهادي تكريماً خاصاً من النادي الأهلي المصري بمنحه عضوية فخرية تكريماً لخدماته الصحفية، كما حصل على جائزة التميّز الرياضي من رابطة الصحفيين العرب، وكان جزءاً من حمل شعلة دورة الألعاب الآسيوية التي أقيمت في قطر عام 2006.
أكد عبد الهادي أن تطور الرياضة القطرية لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة التخطيط الدقيق والدعم المستمر من القيادة القطرية. وأشاد بتنظيم قطر لبطولات عالمية كبرى، مثل مونديال 2022، مشيراً إلى أن قطر أصبحت اليوم عاصمة الرياضة العالمية بفضل رؤيتها الاستراتيجية.
وقال: "قطر استطاعت أن تجعل الرياضة محوراً رئيسياً في التنمية، بفضل دعم وتوجيهات سمو الأمير تميم بن حمد آل ثاني. لقد استضافت قطر أكثر من 500 فعالية رياضية دولية منذ عام 2005، ما جعلها وجهة رياضية عالمية لا غنى عنها".
وخلال مسيرته الطويلة في الصحافة، كانت تربطه علاقات وطيدة مع زملائه، خاصة الإعلامي الكبير سعد محمد الرميحي، رئيس المركز القطري للإعلام، الذي كان داعماً له طوال مشواره. الإعلام الرياضي بلا شك بحاجة إلى تطوير مستمر لمواكبة المتغيرات الحديثة، مشيراً إلى أن الصحافة الورقية قد تراجعت، ولكن يبقى جوهر الصحافة في المهنية والمصداقية.
الصحافة، كما يشير الزميل فايز عبد الهادي "ليست مجرد مهنة، بل هي عشق وشغف". حيث كان يعمل لأكثر من 20 ساعة في اليوم دون أن يَطلب أجراً، لأن هدفه الأول كان النجاح المهني وليس المكاسب المادية. واليوم، وهو ينظر إلى الماضي، يشعر بالفخر بكل إنجازاته، وبكل الأشخاص الذين التقى بهم في رحلته الصحفية الطويلة.