: آخر تحديث

«أبو نورة»... قصر من الحب أعمدته في السماء

4
6
4

يعيش الفنان الكبير محمد عبده (أبو نورة) عمره الماسي (75 عاماً) وإبداعه الماسي أيضاً. الرجل أمضى 64 عاماً يجمّل حياتنا بالورود؛ مطرباً وملحناً، يتقارب عمره الزمني مع سنوات عمره الفني، ولا يزال حاضراً بصوته وإحساسه. تتسع مع الأيام دائرته الجماهيرية، مخترقاً حاجز الزمن... تجاوز حدود المملكة العربية السعودية والخليج ليتوج بلقب «فنان العرب».

في «موسم الرياض» أحيا مؤخراً حفلتين متتاليتين، على «مسرح محمد عبده»... جميل أن نكرّم الفنان وهو بيننا، وهذا هو ما حققه «موسم الرياض» و«هيئة الترفيه» عندما أطلق رئيس «الهيئة»، المستشار تركي آل الشيخ، اسمه على المسرح، ليقف المطرب محمد عبده على خشبة مسرح يحمل اسم «محمد عبده».

واجه مطربنا الكبير قبل نحو عام ببسالة المرض القاسي؛ العدو الشرس السرطان، قهره بالإيمان بالله، وبالتحدي والإصرار والانتصار للحياة، وبدعوات الملايين... تمكن ليس فقط من عبور الأزمة، ولكنه استطاع الاحتفاظ بلياقته الإبداعية والجسدية. صادف الحفل رحيل الملحن السعودي الموهوب ناصر الصالح، الذي اشتهرت له بصوت محمد عبده رائعته «الأماكن»، فقدمها له ليؤكد أن الفن الصادق لا يعرف الموت. هذه الأغنية أنقذت محمد عبده قبل نحو 20 عاماً من الاستسلام للأحزان والاعتزال بعد الرحيل المفاجئ لابنه عبد الله. من خلال «الأماكن»، التي كتبها منصور الشادي، نستعيد الزمن بكل مفرداته والبشر الذين منحوا حياتنا حياة، وهكذا وجد محمد عبده في الكلمة والنغمة شيئاً من «الطبطبة» على أحزانه، ليضمد جراحه. شاهدت على المسرح مذيعة قناة «العربية»، سارة الدندراوي، وهي تتبادل معه الحوار بخفة ظل، لتضفي قدراً من البسمات على الاحتفالية. وتتابع الفنانون السعوديون والعرب والعالميون الصعود على المسرح، والمشترك دائماً هو سحر صوت محمد عبده.

«فنان العرب» لديه دائماً وفاء للبدايات، وكثيراً ما أشاد في أحاديثه بدور مصر في تقديمه إلى العالم العربي، من خلال الحفلات الغنائية التي كانت تقام باسم «أضواء المدينة».

أغانيه، التي يقدم أغلبها باللهجة السعودية، يرددها رجل الشارع المصري ببساطة مثل «بعاد»... الإيقاع الخليجي يتسلل إلى الوجدان، وصوت محمد عبده كان هو الجسر الذهبي لتلك الرحلة.

من أصدق الفنانين الذين ليس لديهم شيء يتحرجون من البوح به؛ يتحدث عن طفولته وفقره المدقع، وكيف أنه تحمل المسؤولية صغيراً حتى يستطيع مساعدة عائلته بعد رحيل الأب. عاش ردحاً من الزمن في دار أيتام. مرّ الفنان عبد الحليم حافظ بتجربة مماثلة وقضى نحو 7 سنوات في «الملجأ»، تعمّد عبد الحليم في حياته أن ينكرها، وواصل ورثة عبد الحليم الإنكار حتى الآن، رغم أن الشاعر أحمد فؤاد نجم (زميله في الملجأ) كان يروي ببساطة كل هذه التفاصيل، التي جمعته في العنبر نفسه مع عبد الحليم، وتعلم العندليب العزف هناك على آلة «الهارمونيكا».

محمد عبده لا يخشى شيئاً، يحكي عن والدته التي عاشت داخل ما يعرف بـ«الرباط»، وهو مكان يعيش فيه الفقراء، وأمضى وقتاً طويلاً داخل هذه الدار وهو طفل، وغادر «الرباط» الخيري بعد أن صار مراهقاً إلى الملجأ. ومع الزمن؛ كان يحلم، وهو يطلّ على السماء ويتابع النجوم، وشيّد على السحاب ملامح قصر مترامي الأطراف، رسم بناءه الهندسي على ضوء القمر. ويمر الزمن ليمتلك محمد عبده هذا القصر، وتشاهده أمه في أخريات أيامها بعد أن فقدت بصرها.

محمد عبده رحلة كفاح مليئة بالورود والأشواك، شيد قصراً من الحب أعمدته الراسخة تطول السحاب.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد